مع وصول خام نفط جنوب السودان الى ميناء بورتسودان مساء الجمعة الماضي، أصدر الر ئيس عمر البشير قراراً بتوجيه وزير النفط بمخاطبة الشركات العاملة في نفط جنوب السودان بإغلاق الأنبوب الناقل لبترول الجنوب اعتباراً من يوم أمس (الأحد)، هذا التوجيه يأتي بعد نفاذ مهلة الأسبوعين التي أمهلها رئيس الجمهورية لحكومة جنوب السودان بإيقاف دعم المتمردين في الحدود، مبيناً بأن السودان لن يسمح بتصدير نفط دولة الجنوب لاستخدام عائده في دعم المتمردين والمرتزقة ضد السودان. وقال البشير أمس الاول ان القرار الخاص باغلاق انبوب نفط الجنوب جاء بعد دراسة متأنية لكل تبعاته وآثاره المتوقعة، بينما قللت بعض القطاعات من تبعات القرار على مجمل الأوضاع الاقتصادية بالبلاد، في وقت أعلنت حكومة جوبا ان قرار إغلاق أنابيب النفط كان مفاجئاً وانه سيعرضها لخسائر كبيرة. تنفيذ قرار وقف النفط وتفيد متابعات (الرأي العام) أن وزارة النفط شرعت في تنفيذ التوجيه على أرض الواقع من خلال مخاطبة الشركات والجهات ذات الصلة بالبدء في قفل انابيب الصادر، ووصف مختصون في مجال النفط بأن الشروع في إغلاق الأنبوب يحتاج الى مزيد من العمليات الفنية، مؤكدين في نفس الوقت جاهزية الكادر العامل في إنزال التوجيه على ارض الواقع في وقت وجيز بعد نجاحهم في العملية الأولى التي تمت قبل (17) شهراً، وقالوا ان هذه سابقة فريدة بان تغلق انابيب صادر النفط مرتين في تلك الفترة. وقال مصدر نفطي باحدى الشركات العاملة في مجال تصدير نفط جنوب السودان إن خام نفط الجنوب وصل الجمعة الماضية لميناء بشائر، وإن عملية قفل الأنبوب ستتم تدريجياً خلال الشهرين المقبلين لتفادي اية مخاطر قد تنجم من ذلك، وأكد المصدر مقدرة ميناء بشائر لاستيعاب أي تخزين للخام في المستودعات حال وجود أية إشكالات في تنفيذ العقود. وكشف المصدر في حديثه ل (الرأي العام) عن وجود إمكانيات تخزينية لأكثر من 3 ملايين برميل من الخام في المستودعات بميناء بشائر وباعت شركة (سي. ان. بي. سي) الصينية الأسبوع الماضي (1.2) مليون برميل من النفط القادم من حقول جنوب السودان عبر خط أنابيب سوداني إلى ميناء بورتسودان. تصدير أولى الشحنات وفي السياق، قال أحمد بلال عثمان وزير الإعلام إن السودان سيسمح بتصدير أولى شحنات نفط الجنوب التي وصلت بالفعل ميناء بورتسودان لكنه سيأخذ نصيبه منها. واضاف الوزير في المؤتمر الصحفي أمس أن السودان لن يصادر هذا النفط لأنه ليس ملكاً لجنوب السودان فقط، وإنما لشركات نفطية أيضاً، لذا سيتم تصديره وسيحصل السودان على نصيبه، مبيناً انه من حق السودان تحصيل رسوم مقابل استخدام خطوط أنابيبه ومنشآته لتصدير النفط من جنوب السودان الذي لا يملك أية منافذ بحرية. تقليل من آثار القرار وفي وقت قللت وزارة المالية والاقتصاد الوطني من تأثيرات قرار إغلاق انابيب تصدير نفط الجنوب على موازنة الدولة الحالية باعتبار أن الدولة (لم تجر قلماً وسطراً واحداً لاستغلال عائدات رسوم النفط في الموازنة). وقلل مصدرٌ مطلعٌ بوزارة المالية من تأثير القرار على إيرادات الموازنة وعلى مشروعات التنمية، مبيناً ان مشروعات التنمية التي تنتظم حالياً تعتمد في ضماناتها على البترول المنتج محلياً وعلى الذهب وبالقروض والمنح، وقال إنّ أداء الربع الأول شهد نمواً إيجابياً دون رسوم عبور النفط، ووصف أداء الربع الأول للموازنة بالجيد. ارتفاع الدولار وفي السياق، ارتفعت أسعار الدولار أمس إلى (7) جنيهات مقارنةً بسعر (6.9) جنيهات قبل صدور التوجيه، إلاّ أنّ سمير أحمد قاسم رئيس غرفة المستوردين وأمين أمانة السياسات بإتحاد أصحاب العمل السوداني، أكد أنه لم يحصل تطبيق كامل لهذا البند حتى يحصل تراجع في أسعار الصرف وينخفض الدولار، وقلل من الارتفاع الذي حدث امس للدولار، وعزا الارتفاع الطفيف للعامل النفسي وسط التجار والمتعاملين في السوق الموازي، واصفاً ذلك بالارتفاع المؤقت. وقال سمير في حديثه ل (الرأي العام) إن أمر إغلاق الانبوب املته الضرورة، مبيناً انّ القطاع الخاص السوداني كان قد شرع في خطة عمل تقوية العلاقات الاقتصادية وتصدير احتياجات الجنوب من السودان، وأشار الى أن ذلك كان سيحدث حراكا اقتصادياً كبيراً من حيث تشغيل العمالة وتقليص مستوى الفقر. لا زيادة في الأسعار وأشار عدد من التجار الى أن الأسعار لم تطرأ عليها أي تغيير يذكر ليوم أمس رغم الحذر من قبل كثير من القطاعات المنتجة بسبب تداعيات القرار. وقال عدد منهم ان الأسعار ظلت ثابتة. وتوقع حاج الطيب الطاهر امين عام الغرفة التجارية بولاية الخرطوم أن ترتفع الأسعار نتيجة لارتفاع أسعار الدولار خاصة السلع المستوردة، مبيناً بأن الغرفة كانت تؤمل على حدوث حراك بالقطاع التجاري بفتح المعابر والحدود مع دولة الجنوب. احتياطي من النقد الأجنبي وفي السياق، قال د. عمر علي الأمين رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بالمجلس الوطني ان الدولة لم تجر قلماً وسطراً واحداً لاستغلال ايرادات رسوم نفط الجنوب، وان الموازنة الحالية لا تعتمد أصلاً على نفط الجنوب. وأضاف عمر في حديثه ل (الرأي العام) أن أداء الموازنة في الربع الأول حقق ايرادات بنسبة (92%) بدون رسوم نفط الجنوب، وقلل من تأثيرات قفل أنبوب النفط على ارتفاع سعر الدولار وعلى اسعار السلع بالأسواق الداخلية، مؤكداً وجود احتياطات من النقد الأجنبي بالبنك المركزي، وأشار الى أنّ البرنامج الإسعافي سيؤدي الى خفض سعر الدولار من خلال زيادة الانتاج في السلع الدولارية وإيقاف السلع الكمالية، وقلل من وجود أي مساعٍ لرفع الدعم عن المحروقات والسلع، مبيناً بأنّ البرلمان لم يتخذ أي قرار في هذا الشأن. من جانبه، قلل د. بابكر محمد توم عضو المجلس الوطني والخبير الاقتصادي المعروف من تأثير القرار على الموازنة نسبةً لعدم دخول اي دولار للايرادات من رسوم العبور، واضاف: حال استمرار الجانب التجاري سوف يكون الأثر اخف من ذلك جراء تصدير السلع من السودان الى الجنوب والاستفادة من عائداتها. وكان رئيس الجمهورية قال إنّ السودان سيمضي في قراراته بعد دراستها ولن يهمه أن يتم تصدير نفط الجنوب عبر كينيا أو أية دولة أخرى، مشيراً الى أن السودان كان يأمل أن يكون هناك حُسن جوار مع دولة الجنوب لكنها رأت غير ذلك من خلال دعم المتمردين.