الحرب، أي حرب، سواء أكانت في الميدان أو على الفساد تترتب عليها تأثيرات عديدة تتجاوز الداخل في بعض الأحيان إلى الجوار القريب، وبالتالي فإن قرار الرئيس سلفا كير برفع الحصانة عن دينق ألور وكوستا مانيبي قد يؤثر على الشمال لجهة أن ذلك يرتبط بأحد أصحاب المواقف المتشددة حيال الخرطوم خاصة في قضية أبيي، بينما يرى آخرون إن ما حدث بجوبا هو إجراء جنوبي محض لن يؤثر خارج حدود الجنوب. اعلان الرئيس سلفاكير ميارديت الحرب على الفساد في أضابير حكومته ورفعه الحصانة عن دينق ألور وكوستا مانيبي جاء على خلفية فقدان 7 ملايين دولار، ونقلت تقارير اعلامية (مترجمة) إصدار رئيس جمهورية جنوب السودان الفريق أول سلفا كير ميارديت مساء أمس الأول مرسوماً دستورياً يقضي برفع الحصانة عن وزير رئاسة مجلس الوزراء دينق ألور كوال ووزير المالية كوستا مانيبي ، وذلك على خلفية اختفاء مبلغ (7) ملايين دولار كان قد تم تحويلها إلى العاصمة الكينية نيروبي في شهر مارس المنصرم لشراء مستلزمات حكومية. وطبقاً لذات التقارير تمت إحالة الوزيرين إلى لجنة تحقيق برئاسة رئيس مفوضية محاربة الفساد القاضي جون كارويج وعضوية ستة آخرين، على أن ترفع نتائجها إلى الرئيس خلال شهر من تاريخ تكوينها- تقارير اخرى نقلت مهلة 6 ايام- وقضى القرار بتكليف الوزيرين بأعبائهما لحين اكتمال التحقيق معهما في القضية المذكورة . خطوة سلفاكير اعتبرها البعض جريئة لجهة تزامنها وجملة من التحديات تواجه جوبا أخطرها الموقف مع الخرطوم، بالاضافة الى أن الحرب على الفساد ترتبط بتقاطعات وعلاقات ليس فيها من السهل قطع الرؤوس فقط وانما الاجتثاث ما يزيد من صعوبة المشهد في الجنوب للارتباط بالقبلية وتحالفات التيارات الداخلية في ظل عدم تشبع واستقرار المؤسسات الجنوبية بالروح المدنية.. مراقبون نظروا للامر من باب مصلحة الشمال في قرار سلفاكير، وعما اذا كان يعني توقيف دينق الور يشكل محفزاً في تحريك العالق من أمور بين العاصمتين لجهة تزعمه ضمن آخرين لتيار الصقور في الحركة الشعبية الحاكمة بالجنوب بالاضافة لكونه أحد الشخصيات المركزية في ملف أبيي ، وعما اذا كان ذلك سيسهم في تحقيق اختراق بين العاصمتين من شأنه تبديد شبح الحرب. فيما يرى آخرون أن القرار ربما يجئ كتعبير عن غضبة تيار الصقور على دينق ألور، مدللين على ذلك بصدور القرار بعد اقل من 24 ساعة من تصريحات وصفت بالايجابية والمرنة وفي صالح الخرطوم، ربط فيها الور زيارة رياك مشار نائب رئيس الجنوب إلى السودان بهدف اجراء مشاورات حول بعض القضايا، وقال(مشار سيغادر إلى الخرطوم بعد أن يتم تحديد موعد الزيارة، وذلك لحث حكومة السودان على التراجع عن قرارها بغلق الأنبوب الناقل لنفط بلاده إلى التصدير عبر الموانئ السودانية وبحث سبل الحفاظ على السلام والاستقرار للدولتين). وأضاف (ثمة ضرورة للتوصل إلى حل نهائي لقضية تواصل تدفق النفط، لأنه يمثل مصيرا مشتركا للبلدين من ناحية اقتصادية وللازدهار الاقتصادي والتنمية) وكشف الور إن حكومته أبدت رغبتها في مساعدة الخرطوم لحل مشكلاتها الداخلية عبر التوسط بينها والجبهة الثورية، وحل قضيتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. مشددا على أن بلاده ليس لديها إمكانات لدعم الحركات المناوئة ضد الحكومة السودانية، وقال(نحن لا نريد أن ندخل في مواجهة عسكرية مع الخرطوم؛ ليس من باب الضعف، ولكن حفاظا على السلام ومكتسباته، لكن هذا لا يمنعنا من حق الدفاع عن النفس). التحليلات تذهب الى ان القرار بغض النظر عن مدى صحة الاتهامات الا أنه يؤشر صوب الرئيس سلفاكير ويجعله متزعماً لأشرس الحروب وهي الفساد وما يمثله ذلك من رمزية في اذهان مواطني الجنوب الذين يعانون، ما يحقق نوعاً من الدعاية الانتخابية المجانية للرئيس سلفاكير. ويذهب المحلل السياسي د.مصطفى عبد الله في حديثه ل(الرأي العام) الى أن سلفاكير سيتطرف في تطبيق قراره وأنه احتاط لتبعات القرار وهزاته بتكليف الوزيرين بمهامهما حتى انتهاء التحقيق، بالتالي فان الاجراء رغم طبيعته القانونية ودلالاته الاتهامية الا أنه يظل قرارا سياسيا محصلته سياسية ونتائجه سياسية واضاف: (سلفاكير يدرك جيداً خطورة استهداف دينق ألور ولو بالادلة، بحكم وضعيته المميزة والمرموقة وسط تيار ابناء ابيي المتحالف مع جنرالات الجيش الشعبي والمتحكم في معظم القرارات السياسية) واضاف(الهدف الاول والاخير دعائي كما انه يزيد قناعة النخب الجنوبية بتوجه حكومة الحركة الشعبية لتأسيس دولة مدنية لا أحد فيها فوق القانون، وهو ما يصطدم بعقبة النفوذ السياسي الذي يمثله وزراء الحركة الشعبية ما يجعل الحرب على الفساد كأن لم تكن). فيما يرى المحلل السياسي المقرب من دوائر الحركة - سابقا- محمد سيف الدين أن سلفا كير كان جاداً في اتخاذ الموقف الملائم تجاه الفساد في الجنوب، مدللاً في حديثه ل(الرأي العام) بخطاب الرئيس سلفاكير ل75 مسئولاً في حكومته يطالبهم فيه باعادة مبلغ 4 مليارات دولار، ودفع الجهات المانحة لمطالبة جوبا باستصدار مذكرة تضم أسماء المسؤولين الفاسدين الذين جمعوا ثروات طائلة منذ إنشاء الحكومة المستقلة في العام 2005م. بالاضافة لتكوينه لجاناً للتحقيق في الكثير من القضايا، الا أن تقريراً بموقع (نيوز ناو) لعضو البرلمان الجنوبي ميل وول أكين- تناولته تقارير اعلامية الفترة الماضية- أورد تهرب حكومة الجنوب من مواجهة الفساد أو التصدي للواقفين خلفه والمتسببين فيه، وكشف التقرير عودة قضية الذرة أو ما عرف بفضيحة الذرة التي ضاع خلالها في العام 2008م مبلغ ملياري دولار عبر شركات وهمية، وكون وزير العدل جون لوك جوك لجنة من سبعة أعضاء بهدف كشف الملابسات والأسباب التي منعت الشركات الوهمية من الإيفاء بالتزاماتها، حيث كشفت التحقيقات البرلمانية أن بعض الشركات قد تواطأت مع حكام الولايات لتوقيع مذكرات تسليم كاذبة.. كذلك كشف تدقيق قام به البنك الدولي عن أموال تم صرفها لشركات بدون عقود، وأن منظومة الفساد عطلت الشركات الحقيقية التي أوفت بالتزاماتها من تسلم أموالها، بالاضافة لكشف لجان التحقيق عن اختفاء »323« ألف دولار أودعت في بنك خاص في يوغندا من أموال الطلاب الذين يدرسون في شرق إفريقيا.. وبحسب عضو البرلمان الجنوبي فإن الرئيس سلفاكير محاصر لا يستطيع محاكمة الفساد أو محاربته ودلل على ذلك لاضطراره تكذيب نفسه بانكاره تحديد 75 مسئولاً.. عموما تظل قضية الفساد قضية داخلية تخص جوبا لا شأن للخرطوم بها ، وطبقاً للمراقبين فإن ما يهم الخرطوم هو تداعيات الحرب على الفساد هناك، لجهة أن الحرب لها تكاليفها في دولة وليدة دون أن تفقد حلفاءها في الداخل والخارج، خاصة وأنها تتميز بتنوع عرقي وقبلي وبنية سياسية هشة يهددان بتسييس المعركة وتحويلها إلى صراع قبلي وعرقي، ما يعرضها لهزات عنيفة ربما تنسحب على الشمال ، فاستقرار العاصمتين مرتبط ببعضهما ويدخل ضمن المعلوم بالضرورة إلا لقاصري النظر وصقور الطرفين.. عموماً قرار رفع الحصانة عن دينق ألور للتحقق من الشبهة، يبدو أمراً اجرائياً، يستبعد فيه وجود تأثير مباشر لغيابه عن سياسة الدولة الجنوبية تجاه الخرطوم، ويرى سيف أن غياب او موت دينق ألور لن يغير في دعاوي جوبا بأحقيتها في ابيي ولن يثني لوكا بيونق أو ادوارد لينو عن ذات الخط، فقط يفقد حكماء الجنوب شخصاً آخر باعتباره اهم وزير في اخطر وزارة. فيما اكتفى د. ربيع عبد العاطي عضو القطاع السياسي بالوطني في حديثه ل(الرأي العام) بأن ألور او غيره من وزراء الحركة غيابهم او وجودهم لن يغير في رؤية مصلحة البلاد واتخاذ الموقف بناء عليها بالتالي فالخرطوم ليست معنية بالأمر في شئ.