دائماً ما تكسب قطر رهان الوعي والحكمة، تفاجئنا بأفعال تعزز قناعتنا بأنها دولة كبيرة رغم مساحتها الصغيرة.. بالأمس قدمت الدوحة تجربة كبيرة في الانحياز لروح التجديد وأميرها الذي ملأ الدنيا وشغل الناس الشيخ الصالح حمد بن خليفة آل ثاني يتنحى طواعيةً عن الحكم ويمنح نجله تميم شرف قيادة الدولة أميراً على دولة قطر. التوقيت حمل دلالات بائنة تستدعي روح التاريخ، وتوظفها لمصلحة تطور التجربة والدولة وتفكير الشخوص وتعاطيهم مع روح العصر.. فالسابع والعشرين من شهر يونيو - 1995م، الذي صادف يوم أمس وافق تاريخ انقلاب الشيخ حمد على والده وتسلمه مقاليد الحكم في دولة قطر، ذات الوالد الحكيم يتنازل الآن طواعيةً لابنه ليس خوفاً من أن يسقيه من نفس الكأس، ولكن حرصاً على تقديم أنموذج يضع الأمير في مصاف الخلود وهو يرفض تكرار تجربة والده المخلوع، وينحاز لمبدأ التغيير الواجب دون سعي ل (الكنكشة) والتشبث بالمنصب. تنحى الشيخ حمد في قمة عطائه، غادر السلطة وهو باعث النهضة القطرية ورائدها بلا منازع، وصاحب الحكم الراشد الذي قفز بها من دولة صغيرة الى قطر مؤثر وفاعل في محيطه يصنع التغيير ويتحكّم في مصائر الدول.. غادر الشيخ حمد ودولته في قمة نضجها الاقتصادي وتوهجهها العصري ونبوغها السياسي. فعل الأمير كل هذا ومازال يتساءل إن كان قد أدى الأمانة أم لا؟، استلهم الأمير تجارب التاريخ ومقتضيات المرحلة فقرّر أن يدفع بدماء تميم إلى شرايين الحكم في قطر لتظل الدولة شابة وقوية ومتوهجة وزاخرة بالتجارب الفاضلة. ما حدث في قطر انقلابٌ على السائد في تقاليد الحكم بالمنطقة، ومن المؤكد أنه سيهيئ قطر للعب أدوار إصلاحية كبيرة في العالم العربي بحكم النضج الملازم لحركتها في مجالات الحكم الرشيد وحقوق الإنسان. قيمٌ جديدةٌ في الحكم يبعثها تنحي الأمير الفاضل، سترتب تحديات جسيمة على دول المنطقة المطالبة بتقديم عرابين إصلاحية وخطوات كبيرة في مضمار الحكم الخالي من شوائب الديكتاتورية ومصادرة الحقوق.. الشيخ حمد نال شرف أول أمير يتنحى طواعيةً ثقة في أنّ الوقت حان لتولي جيل جديد مقاليد الحكم في قطر. رهان الشيخ حمد على الشباب يحسب له بعيداً عن التكلس واستدعاء التجارب المكرورة.. الأمير أسس خطوته العملاقة على نجاح الشباب، وقد كان واضحاً أنه يبحث عن روح العصر الحديث في حكم قطر بترشيح الدماء الشابة لتولي مقاليد الحكم، ويبدو أن التغييرات القادمة في الحكومة القطرية ستعتمد هذه الرؤية في تصعيد وجوهٍ جديدةٍ بعيداً عن التكرار. هنيئاً لقطر بالأمير القديم ونجله الجديد الذي كان واضحاً أن الدولة تعده لتحمل المسؤوليات القادمة حسبما كان بائناً من طبيعة الملفات التي أشرف عليها الشيخ تميم أخيراً. شكراً قطر وهي تهدي العالم في كل يوم دروساً جديدة تؤكد أنها دولة كبيرة. شكراً الشيخ حمد فلقد أديت الأمانة.. ومرحباً بالشيخ تميم امتداداً طبيعياً لمسيرة الحكم الراشد.