بعد تجربة الصومال الناجحة في زراعة أراضي شاسعة منحتها الحكومة لتلك الدولة بمناطق القضارف، زار الخرطوم منذ يومين وفد رسمي من مملكة البحرين للحصول على أراضي مماثلة لتغطية الفجوة الغذائية في تلك الجزيرة المحدودة التربة، ومع ذلك لديها وزارة للزراعة تكابد منذ عقود في مجال البستنة، وقال لي وزير الزراعة هناك عندما كنت أعمل بالبحرين منذ عام 1982م ان لديكم الثروة الدائمة وهي الزراعة ونحن لا نملك سوى ثروة ناضبة وهي البترول والغاز، ولهذا سنلجأ إليكم في السنوات المقبلة للتزود من خيرات وطنكم الزراعية الوافرة، وهكذا تحققت رؤية هذا الوزير، ولا شك أنه بعد هذين القطرين الصغيرين سيفد إلى بلادنا المسؤولون في الدول العربية والإفريقية الكبرى لحذوهم، ولا أبالغ إذا قلت ان دولاً أوروبية ستبحث لها عن مشروعات زراعية في بلادنا، بعد نجاح الصادر لها من منتوجاتنا خاصة وأنها خالية من الكيماويات القاتلة وتنمو طبيعيا.. مع هذا التطور فقد أصبحت الحاجة ماسة لهيئة تتولى إدارة مثل هذا الاستثمار في السودان، من خلال نظرة قومية بدلا من المنافسة بين الولايات لاجتذاب هذه الدول حتى لا يحدث تضارب في هذه السياسات، وان يكون التركيز على الاستثمار مع الدول متقدماً على الأفراد أو الشركات الذين أثبتت بعض التجارب عدم جديتهم أو رأسمالهم ضعيف أو بان يخشى تقلبات الزراعة..ومن الولايات الكبرى الساعية وراء هذا الاستثمار الخرطوم، ولكن كما قال لي الدكتور سيد أحمد الذي كان مستشاراً لوزير الزراعة في بداية ثورة الإنقاذ، ان الخرطوم غير صالحة للاستثمار في الزراعة للمشروعات الكبيرة، وتصلح فقط للبساتين والحدائق الملحقة بالاستراحات و لا تعد تجارية إلا في حدود ضيقة، و ان انتاجها ينقطع على الأسواق في موسم الخريف لبعدها عن طرق المواصلات، وبالفعل أثبتت التجارب عدم فاعلية مشروعات «سندس» و«السليت» و«غرب أم درمان» و«سوبا».. عودة إلى البحرين فإن هذه الخطوة تجاه السودان يمكن أن تفتح أبواب استثمارات وخدمات مصرفية كبيرة بعد أن صارت مركزاً للمال ولجأت لها كل المؤسسات المعرفية والبنكية بعد اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، وأذكر هنا بأن الرئيس الأسبق نميري أضاع فرصة سانحة للسودان، عندما هبط البحرين قادماً من الصين، وأقيم له حفل مرطبات فاخر بقصر الرئاسة تم له حشد العشرات من كبار رجال الأعمال البحرينيين والمستثمرين الأجانب.. وكانوا جميعاً في انتظار ان يعرض عليهم الرئيس الضيف فرص الاستثمار في بلاده، ولكنه بدلا من ذلك قال لهم «إن لدينا في الخرطوم جزيرة تسمى «توتي» وهي أكبر من دولتكم هذه، فانفض سامر الضيوف بعد أن عد ممثل الأمير وأركان السلطة ما قاله استفزازاً لهم..