امهال الجيش للقوى السياسية في مصر (48) ساعة للخروج من الازمة السياسية كان بمثابة خطوات هي الاثقل على أقدام الاسلاميين المصريين منذ ستين عاماً حين جاء عبد الناصر ذات يوليو مخضباً بأحلام الفقراء الى القصر المنيف ، داعياً الجميع للتوقيع على دفتر الوحدة الوطنية المصرية والاعتراف بسلطة الدولة/الثورة وهي تؤسس لمصر جمهوريتها التي تسع الجميع .. خطوات هي الاثقل مقارنة بثقل خطواتهم يوم دعاهم عبد الناصر لتسليم السلاح اقراراً بحق الدولة باحتكار العنف والسلاح يومها تباطأت خطوات الاخوان ظناً بأن تسليم سلاح الجماعة يعني توقيع (شيك على بياض) للناصرية، والقاء تاريخ الجماعة ومشاركتهم في حرب فلسطين داخل صناديق الجيش ومخازنه، ما فجر الصراع مبكراً مع الثورة الوليدة ، وأسس لمظالم تاريخية ظلت تتحدث عنها الجماعة مسجلة اياه ضمن رصيدها ، الذي تنامى عقب ثلاثين عاماً من حكم مبارك.. القاهرة حالياً تدخل نفقا مظلما بخطأ ربما غير مقصود لاعلان دستوري لم يكن الرئيس مرسي موفقاً فيه حسب بعض المرافقين، لتعلن القاهرة سخطها اعتصاماً واحتجاجاً وتظاهراً، ليعيد الشارع المصري سيناريو ثورة 25 يناير.. مخاوف عديدة حاصرت قاهرة الاسلاميين ، حملها المراقبون بعد دخول الملتحين لدواوين الدولة المصرية وارتفاع الاصوات المطالبة بالرحيل لاعنة في الوقت ذاته التجربة الديمقراطية ونتائجها، قياساً على تجارب الاسلاميين في العديد من مناطق العالم بدءاً بالتجربة الاسلامية في ايران مروراً بالحقبة الطالبانية في افغانستان مروراً بالسيناريو السوداني وقوفاً عنده باعتباره النموذج الاكثر بروزاً لتجربة الاسلاميين في الحكم.. مخاوف لخصها العديدون في أن مصر دولة مدنية حديثة ومنفتحة لا تحتمل انغلاق الاسلاميين، مخاوف وصفها د.أيمن نور رئيس حزب الغد بال(مشروعة) في وقت سابق معتبراً قدوم الاسلاميين بغير المتوقع وقال ل(الرأي العام) الاختيارات التي حاصرت الشعب المصري ابان الانتخابات، لم تكن هي الافضل ، لكن هذه هي الديمقراطية التي يجب احترامها واحترام قواعدها). واقر نور بوجود مخاوف ، واصفاً ما يحدث حالياً بالقاهرة، بأنه تكرار تجارب الاسلاميين في العديد من المناطق بمصر، غير أنه راهن على تقديرات المصلحة الوطنية العليا ، وما تشكله من قوة دفع لتجاوز الازمات، وقال(بالقطع هناك مخاوف، وهي مخاوف مشروعة، لكن في النهاية مصر قادرة على تجاوز هذه المخاوف في ظل مصلحة وطنية كبرى، تعبر بها من ضفة الازمات الى ضفة الاستقرار ، عبر التداول السلمي للسلطة). قدوم الاسلاميين محملين على بضعة خمسة ملايين مصري، بدا مفارقة غير مألوفة، فمصر الحديثة ذات الوعي المتراكم بالحكم المدني أو أعرق دول المنطقة مدنياً ، كان نتاج ثورتها التي هزت العالم ومكافأتها، قدوم آخر الاحتمالات الى مقدمة الخيارات، فلجم أفواه الكثيرين من المفكرين والنخب المصرية الذين هاتفتهم الرأي العام وهم يقفون على أطلال ميدان التحرير، متكئين على بعض الاحتمالات في القاهرة والجيزة، علها تقلب الموازين.. في المقابل يرى ساطع محمد الحاج الامين السياسي للحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري، أن المشهد والصورة في مصر معقدة ، ويزيد من تعقيدها والحيرة حولها طبقاً لرأي ساطع، أن وصول الاسلاميين مثل نتيجة صادمة للجميع خصوصاً لمن يحرص على عملية التحول الديمقراطي، وكشف ساطع عن عكوف حزبه على قراءة الموقف وتشريحه في محاولة لانتاج مخرجات للمشهد المحتقن وتتواءم مع المشهد المصري. نبيل عبد الفتاح المتخصص في شئون الجماعات الاسلامية ،مدير مركز تاريخ الاهرام ورئيس تقرير الحالة الدينية بمصر قال ل(الرأي العام) نحن أمام حالة استقطاب حاد في المجتمع المصري ، فريق يرى أن الدولة التي يقودها الاخوان من الرئاسة الى البرلمان والقوى الاسلامية يمكن أن لها أن تنهض ، في ذات الوقت ثمة مخاطر محدقة بالدولة المصرية من تحولها الى دولة دينية ، وتأثير ذلك على نمط الدولة الحديثة منذ محمد علي باشا) واضاف(اختيار رئيس من الجماعة أو الاخوان المسلمين أمر يختلف تماماً عن اختيار أعضائها للبرلمان، خصوصاً وأن النظام الرئاسي محوري ولعب دوراً مركزياً في تأسيس الدولة المصرية منذ 23 يوليو 1952م).. ولخص نبيل رؤية الفريق الاخير الذي يضم القوى الليبرالية والقومية وشبه العلمانية والطبقة الوسطى في أجهزة الدولة العميقة والاقباط ، بقوله( يرون أن الدولة الدينية مهدد للحرية الدينية والشعائر). جملة المخاوف التي يعيشها الجميع هناك تشير الى حالة من الاستقطاب الحاد عبر عنه عبد الفتاح محدداً اطرافه وقال(الاستقطاب شديد بين الاسلاميين من جهة وبين القوى الديمقراطية والليبرالية التي تطالب بالتغيير من جهة أخرى، هذه المخاوف تحاصر كل الاطراف ، وللاسف الشديد فشل الجميع وعلى رأسهم القوى الفاعلة في المجتمع في ايجاد مشتركات ، عبر خطة للانتقال السياسي تعتمد على دستور جديد يضمن الحفاظ على الديمقراطية ، كما أن الجميع ارتكب خطأ المناورة قصيرة النظر لكن المسؤولية تترتب على الاغلبية ويقع عليها العبء).. وقطع د.نبيل عبد الفتاح بأن اي رئيس قادم لن يستطيع القفز وتجاوز أزمة الشرعية التي قال انها لا تعتمد على الصناديق فقط أو أزمة الاستقطاب ، فالصناديق تحسم عند التحديد بحسب الاحجام الحقيقية وهذا لم يحدث قبيل مجئ الاسلاميين، بسبب التواطؤ بين الاخوان والمجلس ما يجعل الشرعية الحالية(شرعية مجرحة ) ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ، فالجميع سعى للفوز السريع ، ما جعل الانتفاضة الثورية تموت مؤقتاً وها هي تعود) .. وبعيداً عن تحليلات السياسيين واجتهاداتهم ، الا أن ثمة تنبؤات سبق وأن أوردها د.عصام الاسلامبولي الخبير الدستوري القيادي بحركة كفاية ل(الرأي العام)وأعتبر حينها أن وصول الاخوان يعني حدوث انقسام حاد في المجتمع بين قوى ثورية من جانب وقوى دينية من جانب آخر ، وانقسام المصرييين الى ثورة وثورة مضادة واسلامية وغير اسلامية في ظل خطر احتكار السلطة غير المرغوب فيه وتابع (المشهد الان بين اثنين لم يكن من المفترض أن يصطدما أي الشارع والاخوان ما خلق مشهداً مرتبكاً).. السودان الحاضر الغائب في ثنايا الزحمة المصرية الباحثة عن محطة لالتقاط الانفاس، يرى الكثيرون أن خروج الرئيس الاخواني من قصر العروبة المتحكم في مداخل ومخارج الامن القومي العربي بحكم عراقة المخابرات المصرية، وامساكها بزمام الامور في بلد التصقت به صفة المواجهة، يجعل الخرطوم محبطة بحكم فقدانها لحليف متقارب ايدولوجياً بالاضافة لما ستشكله مصر في عهد الاخوان من حديقة خلفية للانقاذ وترسم من خلالها وفيها مخططات مواجهة المجتمع الدولي ، بالاضافة لما يشكله التغيير المصري من قوة دفع للحركة الاسلامية السودانية بعد حالة من الخمول شكا منها رموزها.. وهو الامر الذي يستبعده المحامي الناصري ساطع الحاج. مراقبون يعتقدون أن غليان الشارع المصري لا يبدو أنه سيهدأ الا بتنحي مرسي ، الامر الذي تعززه أصوات في التنظيم الاسلامي العالمي بحسب ما أوردت تقارير اعلامية بالاضافة لأصوات التنظيم المصري ، وهو ما يجعل مرسي في مواجهة شرعيته قبل الشارع وحلفائه، فهل يذهب أم سيبقى خاصة وأن لديه سند شعبي قوي كذلك في الميادين، أم ان الجيش سيحسم الأمر على طريقته بعد أن أهمل الجميع ل (48) ساعة قبل ان يتخذ اجراءات.