خرجت الحركة الإسلامية السودانية من صمتها غير البليغ، وتماهت أمس الأول مع قواعد الإسلاميين بمختلف تياراتهم بإعلان موقف ناصع من عزل الرئيس المصري المنتخب د. محمد مرسي عندما وصفت عزله بالخروج الصريح عن الديمقراطية. وهو موقف يكتسب قيمة مضاعفة لجهة أن للحركة حزباً سياسياً حاكماً، فيما إعتبر حزبها (المؤتمر الوطني) ما يحدث في مصر شأن داخلي ، وسحابة صيف عابرة، في إشارة واضحة لعدم رهنهم للعلاقة بين البلدين، بالعلاقة بين الحزبين. أي حزبين. حديث الحركة عن الإنقلاب على مرسي، فتح الباب أمام تساؤلات عديدة بشأن العلاقة بين الحركة الإسلامية في السودان وجماعة الأخوان المسلمين في مصر التي ينتمي إليها الرئيس المعزول د. محمد مرسي. وفي هذا الحوار مع المرشد العام للأخوان المسلمين، قدم د. محمد بديع إجابات وافية على أسئلة أطلت برأسها من جديد، وهو الأمر الذي جعل (الرأي العام) تعيد نشر مقتطفات من الحوار الذي أجرته مع بديع عند زيارته للخرطوم منتصف نوفمبر الماضي للمشاركة في مؤتمر الحركة الإسلامية السودانية، فإلى إفاداته تلك: في ماذا تلتقون مع الحركة الإسلامية في السودان تحديداً؟ - نلتقي في كل الثوابت والمبادىء والقيم، فهذه لا خلاف عليها. أما الطريقة والأسلوب والتجربة فكل بلد له تجربته الخاصة به، وأقول عندنا في مصر خلطة مخصوصة اسمها (الكُشري)، وعندكم هنا (الويكة) وهي شىء مختلف تماماً، ولازم كل واحد يعرف خلطته ويأكل ما يعجبه. هنالك إختلاف بين التجربتين إذاً؟ - نعم.. نختلف في أن التجربة قد تكون غريبة عن تجربتنا نحن، وأنا لا أتصور مثلاً أن الإعلام الموجود في مصر كان ممكن يتركني أُصلى الجمعة وأخطب فيها بينما فخامة الرئيس يستمع لخطبة الجمعة من مرشد الإخوان المسلمين، فهذا أمر إعلامنا لا يتركنا فيه أبداً بهذا الشكل (فاحمدوا ربنا أنو عندكم إعلام جيد وطيب). كيف تنظر إلى مستقبل الحركة الإسلامية في السودان التي يعتقد البعض بأنها شاخت ربما؟ -الذي يرتبط بالقرآن والسنة لا يشيخ، ويظل متجدداً لأن القرآن لا تنقضي عجائبه. وهو كما قال لنا الأستاذ البنا الدافع الروحي الذي وصفه رب العزة وقال عنه في كتابه العزيز إنه روح (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا)، وأيضاً مادة الروح هذه في القرآن الكريم (نزل به الروح الأمين)، ولم يقل للنبي (صلى الله عليه و سلم) على أُذنك لأن هذا يعتبر نقلاً مادياً من كلام إلى سماع، لكنه قال على قلبك لأن هذا هو مجال الميديا للقرآن الكريم، ولذلك قال الأستاذ البنا رحمة الله عليه مستنبطاً من هذه المعاني القرآنية ومخاطباً الإخوان المسلمين منذ نشأة هذه الجماعة المباركة سنة 1928م: (أنتم روح جديد يسري في جسد هذه الأمة فيحييها بالقرآن)، تخيل روحاً جديداً تسري في جسد الأمة من خلال أعضاء هذه الحركة كي يحيوا الأمة، فهل يشيخ هؤلاء؟ أو يهرموا؟ =يضحك= هل تريد أن تقول إن الحركة الإسلامية في السودان لن تهرم؟ - نعم، فهم شباب متجدد، ولو رأيت شيوخ الحركة كيف حيويتهم وكيف نشاطهم، تشعر أن الشباب يغار منهم، ولكنهم مصرون فعلاً كما سمعت منهم بنفسي، على أن يجعلوا شباب هذه الحركة يتولون المسؤوليات لأنهم يعرفون أن هذا الدين دين وُضِع لإعداد القادة نماذج لا يوجد مثلها في العالم، نماذج شرعية تسقط شرط السن والتكليف والبلوغ عن حافظ القرآن الكريم كي يكون إماماً وتصح إمامته للبالغين. هل صحيح أن لديكم مآخذ على الحركة الإسلامية في السودان كونها جاءت إلى الحكم عبر مدخل معيب وهو مدخل القوة والانقلاب؟ - شوف يا حبيبي، لكل قُطر ظروفه وأحواله التي لا يمكن لأحد آخر أن يتدخل في تقييمها، حتى صار مثلاً عربياً أصيلاً (أهل مكة أدرى بشعابها)، ولهذا نقول إن العبرة بالغايات والأهداف والمقاصد والنيات، وكم رأينا من نظم ادعت الديمقراطية وجاءت بانتخابات زورتها وتلاعبت بها، ثم جثمت على صدر الأمة و.. =مقاطعة= هذه إجابة ميكافيلية فيما يبدو، فكأن الغايات عندك تبرر الوسائل، أياً كانت؟ - لا .. لا، أنا أقول إني لا أتدخل أبداً في آليات وصول أحد, لأن هنالك ظروفاً يحكم عليها أهل البلد وهم أدرى بها من أي شخص آخر، لكن أقول العبرة في ماذا قدمت لبلدك؟.. وفي النظام الإسلامي عندنا صور متعددة حتى للأربعة الخلفاء الراشدين لكنهم كلهم في النهاية يقدمون نموذجاً إسلامياً رائعاً. دعنا ننظر معك إلى ما قدمته الحركة الإسلامية في السودان، هل أنت راضٍ عما قدم خلال ال( 23) سنة الفائتة؟ - يمكن أنا الفترة التي تابعت فيها هذا الأداء قصيرة جداً، أما ما أحسسته من تحركي بين الشعب السوداني في مستوياته المتعددة، فكل نظام لابد أن يكون له انتقادات عند شعبه، وطموحات يريد تحقيقها . وأنا سمعت أنهم الآن يتناقشون ويجمعون الاقتراحات حول انتقادات الحركة والعمل السياسي والحزبي، ويطلبون من الجميع أن يقدموا اقتراحات لتحسين الأداء. وأيضاً هنالك اقتراحات تقدم رغم سلامة الدستور الموجود حالياً ليعد دستور أفضل حتى ولو أخذ أمر نقاش وسماع الآراء من جميع الاتجاهات وكل الفصائل عاماً أو عامين فلا داعي للاستعجال. على قِصر متابعتك لأداء الحركة الإسلامية، لكن برأيك إلى أي مدى قدم الإسلاميون في السودان مثالاً لدولة إسلامية؟ - من أهم وأول ما يجب أن يقدم هو نموذج الإنسان الذي يتقي الله، وهذا أنا أسميه (الشاسي)، فإذا وجدت مثل هذه الشخصية التي تخاف الله عز وجل، ووجد المؤمن الصادق الصالح، وجدت معه كل أسباب النجاح. صحيح قد يخطىء في الممارسات وقد يتعثر وقد تواجهه مصاعب يضعها في طريقه شياطين الإنس والجن، فهؤلاء وضعوا معوقات في طريق الأنبياء، لكن إذا علم الله منهم صدق النية والإخلاص بنموذج يخاف الله عز وجل، فهذا أطمئن إليه وإلى أدائه، وهذا أفضل ما قاله (صلى الله عليه و سلم) في حق هؤلاء المسؤولين والرؤساء أمران اثنان.. الأول قال: (خير أُمرائكم الذين تدعون لهم ويدعون لكم، وشر أُمرائكم الذين تدعون عليهم ويدعون عليكم). ثم قال (صلى الله عليه و سلم) في دعاء إن شاء الله يصيب كل مسؤول يتقي الله ويخافه في من دونه: (اللهم من ولى من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به). وماذا عن (الشاسي) الخاص بالحركة الإسلامية في السودان.. هل هو سليم برأيك أم ربما كان يعاني شقوقاً؟ - فيه نقص بشري طبيعي يعالج إن شاء الله على مدى نجاح ونضج التجربة يوماً بعد يوم، لأن الكمال لله وحده، ولو جئت لأية تجربة إسلامية في أية دولة من الدول ستجد فيه قصوراً, وهذا ليس عيباً وإن شاء الله يكون (من جهلنا نخطئ ومن خطئنا نتعلم). هل ستستفيدون من أخطاء الإسلاميين في الحكم بالسودان؟ - ليس من الأخطاء فحسب، بل من كل التجارب. فنحن على سبيل المثال العلاقة بين الحزب والحكومة، والحزب والجماعة عندما جئنا لنضع له قواعده في مصر، بحثنا في جميع النماذج التي تمت على مستوى العالم من أندونيسيا إلى المغرب، وجمعنا كل التجارب وأستطيع أن أقول لك من ضمن ما كنت تسأل عنه إن كل تجربة لها خصوصيتها ولها أخطاؤها وعليها ملاحظات ولها إيجابياتها أيضاً، فعندما تأتي لتقوّم أو تقيّم، فيجب أن تأخذ بصورة متكاملة حسب الظروف ما لهذا وما عليه، حتى لا تظلم أحداً في تقييمك. عندما سألتك عما إذا كنتم ستستفيدون من تجربة الإسلاميين في السودان كان في ذهني مناطحتهم للغرب، وأنت ترى الآن ما يشبه المواجهة مع إسرائيل، فهل ستتفادون المنعطفات التي تؤدي إلى مثل هذه المواجهات؟ - مستحيل، وصعب أن يرضى عنك عدوك بأي حال من الأحوال، لأن الذي ضرب عندكم مصنع اليرموك وضرب مصنع الشفاء في عام 1998م، هو الذي ضرب غزة بالأمس، وهو الذي ضرب مدرسة بحر البقر في مصر.. فكيف يرضى عنك عدوك وأنت تقول إنني أحمل راية الإسلام ؟ إذا كان العدو واحداً كما تقول، وفي ظل التقارب الكبير بعد الربيع العربي بين الإسلاميين في مصر وتونس وليبيا والسودان، هل يمكن أن يمتد هذا التقارب ليلامس حلم البعض ويشكل نواة ربما لدولة إسلامية تجمع بين هذه الدول؟ - هذه أمور سقف طموحاتنا فيها عالياً، لكن علينا أن ننزل إلى مستوى الواقع حتى نعالج الواقع ولا نكون خياليين. الأصل في الأمر أولاً أن نكوّن اللبنة الصالحة لأن كل دولة من هذه الدول عبارة عن لبنة صالحة و(طوبة) نعدها إعداداً جيداً حتى تكون صُلبة، (وبعدين ، فيين لما تجي تبني من هذه اللبنات مبنى كبيراً يحتاج إلى رسم هندسي وخبراء)، يعني هذه الأمور طموحات حقيقية لكن الواقع يقول لابد لنا من إعداد جيد، فالناس ظلت لفترة طويلة تظن أن هذا النموذج الإسلامي مستحيل أن يحدث على ظهر الأرض. رغم حديثك الإيجابي عن الحركة الإسلامية السودانية، لكن بعض المراقبين يرون أنكم تنظرون إليها كعبء وليس رصيداً في الواقع؟ - ما التقى مسلمان إلا أفاد الله أحدهما من صاحبه خيراً، وأنا أقول لك هنالك تجارب عندكم هنا ناجحة وجيدة، وهنالك أشياء تحتاج لعلاج ستدرس وستعالج، ولابد أن تبدأوا أنتم العلاج لمعرفة أسباب هذا القصور ولماذا حدث، ونحن أيضاً عندما ندرس لا نأخذ أية تجربة على علاتها إنما كما قال (صلى الله عليه و سلم) الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق الناس بها، ونحن سنأخذ الصالح النافع منها، وبإذن الله تعالى يكون في كل تجربة جزء صالح نافع ننتفع به إن شاء الله. بماذا تنصح الإسلاميين في السودان؟ - جزاك الله خيراً.. فأنا أود أن أقول لكل الإسلاميين في كل دول العالم: أنتم تنوع جميل جداً كألوان الطيف، فأحذروا الفرقة والخلاف والصراعات والتنافس على الدنيا، فأنتم هدفكم الآخرة والجنة، وبالتالي هذا الهدف يجمع ولا يفرق، فإذا كان الله غايتك والرسول (صلى الله عليه و سلم) زعيمكم والقرآن دستوركم، فلن يحدث أي خلاف، ولذلك أقول واجب على كل أعضاء الحركات الإسلامية مهما تنوعت واختلفت من صوفية و سلفية وإخوان حتى سنة وشيعة لابد أن يشعروا جميعاً أننا عندما نطوف حول الكعبة ونتوجه إلى الكعبة في كل بلادنا، نتوجه إلى بيت واحد ونعبد رباً واحد ونرتبط بقرآن واحد ورسولنا واحد ونصلي إلى قبلة واحدة ومنهاجنا واحد. لكن هذا التنوع رب العزة سبحانه وتعالى أراده، مثل ألوان الطيف وقلت لهم إن ألوان الطيف لا يمكن أن تنتج اللون الأبيض إلا إذا تحركت في إتجاه واحد وبسرعة واحدة، فهيا نجمع كل ألوان الطيف الإسلامي والسياسي والمجتمعي كي نتحرك لخدمة هذا البلد وحمل هذه الأمانة. وأقول حتى رسول الله (صلى الله عليه و سلم) وهو في مكة قبل نزول البعثة كان يحضر حلفاً اسمه (حلف الفضول) لنصرة المظلوم، أي أنه يبحث عن المشترك حتى مع غير المسلمين كي يجمع القلوب ويتفقوا عليه، ولهذا أقول كلمة للأستاذ البنا كان يذكرنا بها دائماً في كل رسائله وهي (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)، فهيا نضع أيدينا في أيدي بعض فالأمانة ثقيلة، وقد جرّبت الإنسانية الإشتراكية والشيوعية وضاعت وتاهت سنين طويلة، والآن تذوق مرارة الرأسمالية وآن للشعوب أن ترى نور الله عز وجل وتضىء به حياتها.. و(جزاك الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته فأنا بعرف الصحافيين كويس وواضح إنك صحفي ناصح وما حتخليش حاجة إلا وتسألني عنها).