ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك        أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التعليم السوداني .. لا وَحْدةً بلغَ ولا دِيناً أبْقى


جعفر خضر
ورقة نُشرت في العدد الثالث من مجلة كرامة التي يصدرها اتحاد الكتاب السودانيين
تنبع أهمية هذا الورقة في أنَّها تستبق مؤتمر التعليم العام الذي تأجل مرارا والمزمع انعقاده في أكتوبر 2010 قبيل الاستفتاء بأشهر قلائل ، ومن تسليطه الضوء على جانب غير مرئي يتمثل في الإهمال المتعمد الذي وجده جزء مهم من الدين في منهج محوره العقيدة . ويفترض في المؤتمر المنتظر أن يعيد النظر في أسس التعليم وغاياته وهذا يوفر فرصة لوضع فلسفة تعليمية تنسجم مع تطلعات الشعوب السودانية ، يشارك الجميع في صياغتها . وغايات التعليم رغم أهميتها لم تجد ما تستحقه من نقاش بين منظمات المجتمع المدني ، ولا حتى في الأوراق التي أعدتها وزارات التربية ببعض الولايات لأجل المؤتمر المقبل . وتتعرض الورقة لانعكاس هدفي ترسيخ العقيدة الدينية وتقوية روح الوحدة الوطنية على منهج التربية الإسلامية خصوصا السيرة بمنهج مرحلتي الأساس والثانوي .
ووفقاً لمؤتمر سياسات التعليم 1990 وتأسيساً علي توجهات الدولة القاضية بجعل العقيدة محور الحياة ، والتي تهدف كذلك إلى تنشئة جيل مؤمن بربه منفعل بقضايا وطنه ومعداً إعداداً قومياً لبناء سودان الغد ، ومتميز في شخصيته بين الشعوب ؛ تبنَّت الدولة غايات للتربية في السودان تعكس فلسفتها التربوية ، علي أن تكون الغايات حكماً لكل مؤسسات التوجيه التي تقدم رسالة تربوية للشباب ، وأن تقتدي تلك المؤسسات في وضع أهدافها التعليمية بهذه الغايات سعياً نحو التأصيل وإعادة صياغة الإنسان السوداني ، وقد أقرَّ المؤتمر الغايات التالية : 1) العمل علي ترسيخ العقيدة الدينية عند النشء وتربيتهم عليها وبناء سلوكهم الفردي والجماعي علي هدى تعاليم الدين بما يساعد علي تكوين قيم اجتماعية واقتصادية وسياسية تقوم علي السلوك السوي المرتكز علي تعاليم السماء . 2) تقوية روح الوحدة الوطنية في نفوس الناشئة وتنمية الشعور بالولاء للوطن ، وتعمير وجدانهم بحبه ، والبذل من أجل رفعته . [أبو شنب ، 80-81] .
هذه هي الأهداف التي استند عليها المنهج الذي بدأ تطبيقه تدريجيا منذ النصف الأول من تسعينات القرن الماضي وإلى الآن ، والتي أدت إلى أن يتخذ جنوب السودان منهجا مغايرا مستمدا من دول الجوار .
لم يرد مفهوم (الوطنية) في أهداف تعليم الحقبة الاستعمارية وما كان له أن يرد ، ورغم أن مفهوم (الدين) لم يرد مباشرة أيضا لكنه كان موجودا إذ أنّ (الحكومة البريطانية كانت تخشى مما اعتبرته روحاً متعصبة تشكل تهديداً خطيراً للأمن والنظام واعتبرت الحكومة أنَّ التعليم الأولي العام هو أفضل سلاح لمكافحة الروح المتعصبة التي أدت بتأثير من الفقراء - معلمي الخلوات - إلى نشوء المهدية) [ناصر السيد ، 116] . ويرى التجاني عبد القادر : ( أنّ التركيبة السياسية الجديدة للحكم الثنائي ... لا تحتمل بطبعها نظاماً تعليمياً يسير في اتِّجاه توليد الثورة الإسلامية أو التعبئة الجماهيرية ، ولذلك فمن المؤكد أنّ إفراغ الأجيال الحديثة من الالتزام العقدي والولاء الوطني هو جوهر النظام التعليمي الجديد )[التجاني،12] . ومن الطبيعي أن يوجِّه هذا الهدف غير المعلن المناهج الدراسية في الحقبة الاستعمارية .
وبعد ذلك وردا ضمن أهداف التربية السودانية في معظم الحقب التاريخية بصورة مباشرة أو ضمنية . في عام 1958 حددت لجنة التربويين السودانيين التي ترأسها متي عكراوي - خبير اليونسكو- حددت فلسفة التربية في السودان بقولها :( إنَّ هدف التربية هو خلق المواطن الصالح القوي في بدنه ، الراسخ في معتقداته الدينية ، الراغب في الذود عن وحدة التراب السوداني ، البصير بحقوق المواطنة وواجباتها . وقد رُوجعت تلك الأهداف – في عام 1961 - بواسطة خبير آخر من اليونسكو هو الدكتور عبد الحميد كاظم الذي حدد - بمساعدة ثلاث لجان - أهداف التربية في المرحلة الابتدائية والتي تضمنت (غرس روح الدين وتهذيب الأخلاق) و( تطوير إحساس الطفل بأنَّه ينتمي إلى مجموعة خاصة وإلى السودان عامة) . "وفي عام 1968 -الديمقراطية الثانية - حددت لجنة تطوير مناهج التعليم أهداف التربية في السودان كأول محاولة سودانية صرفة ، والاعتبارات التي تحكم هذه الأهداف هي : (الاعتبارات المنبثقة من كون شعب السودان شعباً متمسكاً بالقيم الروحية والخلقية والمثل العربية والإنسانية) و(الاعتبارات الوطنية التي على أساسها يُربّي جيل مزود بروح الإيجابية وحب الوطن وتقدير حقوقه وواجباته لأداء دوره كاملاً في البناء القومي ودعم الوحدة الوطنية والإسهام في تقدم الحضارة الإنسانية وحفظ سلام العالم) . وفي اكتوبر 1969 - بداية فترة نظام مايو - انعقد المؤتمر القومي للتربية وخرج المؤتمر بأهداف غاب عنها مفهوم (الدين) وورد مفهوم (المواطنة الإيجابية) و(المجتمع اشتراكي) . وفي عام 1975م - وبالتعاون مع البنك الدولي – أعدت وزارة التربية تقريرا صاغ أهدافا للتربية السودانية (التربية الدينية) و(التربية للمواطنة) و( ترسيخ الوحدة الوطنية) .
ولما انعقد مؤتمر المناهج التعليمية في نوفمبر 1984م صاغ أهدافاً تربويةً حضرت فيها المفاهيم الدينية بكثافة تضمنت (تنشئة المواطن السوداني الصالح لأمَََّته ووطنه الذي يدين بالعبودية لله سبحانه وتعالى في كل مناحي حياته : عقيدة وشريعة وأخلاقاً وسلوكاً ، يؤمن بأنَّ الدين منهج حياة كاملة ودعوة للبشر كافة ... والتحلّي بمكارم الأخلاق المستمدة من ديننا الحنيف) و (ترقية الحياة الاجتماعية التي تقوم علي الإيمان بكرامة الإنسان وحريته وعلي المساواة والإخاء بين الناس ، وتلتزم بالشورى والتعاون وتنشر دواعي التسامح والتراحم بين أبناء الوطن ..) و (غرس حب الوطن والولاء والتضحية من أجله والاعتزاز بتأريخه وتراثه الأصيل ولغته العربية والحفاظ علي شخصيته الإفريقية العربية الإسلامية بين الشعوب) [لمزيد من التفصيل أنظر عثمان حسن أحمد ، أهداف التربية السودانية ، مجلة حروف] .
الملاحظ أن كل تلك الأهداف نصت بصورة أو أخري على (العقيدة الدينية) وليس (العقيدة الإسلامية) باستثناء أهداف التعليم المايوية في نسختها الاشتراكية الأولى حيث غابت (العقيدة الدينية) لتعود بكثافة في النسخة المايوية الأخيرة والتي أوشكت أن تقول الإسلامية حين قالت (ديننا الحنيف) ثم وردت صراحة مقترنة بالإفريقية في عبارة (الحفاظ علي شخصيته الإفريقية العربية الإسلامية) ، تُرى هل كان (الدين) في كل العهد الوطني يعني (الدين الإسلامي) أم يعني (الدين الإسلامي مع مراعاة الأديان الأخرى) أم يعني (الأديان) أم كنا نتفق مع فيليب هاء فينكس في كتابه فلسفة التربية حين قال : (الأهداف الصريحة ليست في الغالب أهدافا حقيقية ولكنها مجرد شكل من أشكال الإعلان للحصول على الموافقة) .
وفي عهد الإنقاذ عقدت الحكومة مؤتمرا تحت شعار (إصلاح السودان في إصلاح التعليم) - في سبتمبر 1990م "رأي المؤتمر أنَّ الإنقاذ ورثت نظاماً متدنياً عاثت فيه القرارات السياسية فساداً ، لذلك جاءت أغراض التعليم غامضة اتسمت بشمولية هلامية جعلها تصلح أهداف لأي نظام تعليمي في أي بقعة من هذا العالم"[حيدر ، 5] وحدد المؤتمر فلسفة التعليم في : توثيق عري التعليم بعقائد الأُمة السودانية وموروثاتها الحضارية ، وأن يتدارس المؤتمر سبل تحقيق عدد من الأهداف والسياسات مثل :
1 تعيين الفلسفة العامة للنظام التربوي والتعليمي بما يكفل صياغة إنسان مؤمن بالله منفعل بروح الدين ودوافع المثل الإنسانية العالية ، يعرف حقه ويمارس حريته . 2 صياغة مناهج التربية والتعليم وبسط التربية الدينية والاجتماعية والوطنية بما يضمن ألا ينفصل العلم عن الإيمان والممارسة والالتزام والتأهيل العلمي وتعميم التربية العلمية بما يقوي تدين الناشئ " [حيدر ، 4] .
المنهج المحوري :
وقد تم تنظيم مسيرة التربية والتعليم والمناهج علي طريقة منهجي المحور والنشاط علي أن تكون العقيدة هي محور التعليم والتربية [أبو شنب ، 80] . وقد تضمنت موجهات تخطيط المناهج أن تعالج موضوعات المقررات الدراسية التنوع الثقافي والديني والعرقي بأسلوب يبرز الجوانب الإيجابية دعماً للوحدة الوطنية [أبو شنب ، 83] فكيف يراعى هذا التنوع في منهج محوره العقيدة ؟ أليست (العقيدة) المقصودة هي العقيدة الإسلامية ؟ فهل ستدرّس لغير المسلمين قسراً ؟ أم أنّ المحور سيكون (العقيدة الإسلامية) للبعض ، و(العقيدة المسيحية) للبعض ، و(كريم المعتقدات) للبعض الآخر ؟ وكيف ستتم تقوية روح الوحدة الوطنية ؟
إنّ "محور المنهج المحوري هو قدر من الخبرات العامة أو الدراسة العامة التي يشترك فيها جميع التلاميذ .. أي أنَّه يستهدف في البداية إيجاد روابط وعلاقات قوية تعد أرضية أو خلفية يشترك فيها الجميع "[اللقاني ، 37]. و"يسعي المنهج المحوري إلى تقوية عوامل الوحدة والانسجام بين أفراد المجتمع" [الدمرداش ، 150] . إن اختيار العقيدة كمحور يمثل هزيمة للمنهج المحوري الذي ابتدعه التربويون لتلافي القصور الذي اكتنف منهج المواد الدراسية المنفصلة ، وكان من الممكن أن يكون المحور هو التأكيد على التنوع الثقافي والديمقراطية واحترام الآخر .
أمّا تكامل المعرفة الذي يتميّز به منهج النشاط أيضا فقد وجد حظاً من التطبيق ، انعكس على "السيرة" التي أضحت تُدرّس في مرحلة الأساس ضمن منهج اللغة العربية . والملاحظ لم تعُد هنالك أبواب مخصصة للحديث الشريف والذي تم تحويله أيضا إلى اللغة العربية والإنسان والكون . وقد أصبح مقدار الأحاديث الشريفة التي تدعوا للقيم الفاضلة في المنهج ضئيلا للغاية ، ومعظم الأحاديث التي وردت كانت عبارة عن أدلة للأحكام الفقهية . جدير بالذكر أن الفقه قد تم التركيز عليه تركيزا كبيرا مثله مثل القرآن الكريم .
ورغم أن دليل المعلم للحلقة الثانية نص على أن ( يُركّز عند تدريس السير وموضوعات التربية السكانية على تثبيت المعلومة وترسيخها لأنّ هذه المعلومات لن تتكرر في مكان آخر . كما يُراعى عند الاختبارات أن تُعطى هذه الموضوعات وزناً لا يقل عن 15% من مجموع درجات اللغة العربية للصف )[8] ولم تم الالتزام بذلك في نطاق المدارس التي اطّلعت على امتحاناتها بل حتى الامتحان الولائي الموحد بالقضارف لم يلتزم بالنسبة أعلاه ، بل أنّ أحد الامتحانات الولانية كانت نسبة السيرة فيه صفر% ! والسبب انّ مُدرّس اللغة العربية في غالب الأحوال يكون مشغولا بتحقيق أهداف اللغة العربية وليس السيرة .
الوحدة الوطنية :
وعند النظر إلى انعكاس هدف تقوية روح الوحدة الوطنية على منهج التربية الإسلامية وعلى السيرة تحديدا التي تتواجد في منهج اللغة العربية والإنسان والكون حسب المنهج المحوري المطبّق يتضح التناقض البيّن .
جاء في مرشد المعلم لكتاب الصف الأول - الصادر 1996م – أنّ المخطط العام لمنهج الصف الأول كما يلي[ص17 ]:
المادة النسبة المئوية
1- القرآن الكريم 25%
2- التربية المسيحية
3- اللغة العربية والرياضيات 50%
4-التربية الرياضية والتربية الفنية والفنون
المسرحية 25%
يُلاحظ أن البند(2)المتعلق بالتربية المسيحية لم تكتب أمامه نسبة ؟! وهي قطعاً لا تقارب ال 25% ، فإذا وضعنا في الاعتبار أنّ المنهج محوره العقيدة ؛ اتضح أنّه بالنسبة للمسيحيين بلا محور!!
وقد تركُّزت سيرة الرسول (ص) على الجانب الجهادي ، بل هي في كتاب المنهل للصف الرابع - عبارة عن غزوات فقط . بل حتى الموضوعات الأخرى مثل موضوع "مصعب بن عمير" و "بطل من شرق بلادي" و أناشيد مثل "الجندي" و "الله اكبر" قد ركزت علي المعاني الجهادية .
وقد بلغ ذلك قمّته في قصيدة "الله أكبر" ذات الموسيقى الجارفة والتي جاء فيها :
يا هذه الدنيا أطلِّي واسمعي جيش الأعادي جاء يبغي مصرعي
بالحق سوف أردّه وبمدفعي فإذا فنيت فسوف أفنيه معي
وركّز كتاب المورد للصف الخامس أيضا على الجانب الجهادي .. وتم ربط جهاد المسلمين ومعاركهم بواقع الحال في السودان ، فقد جاء بعد سؤال عن الخنساء – في موضوع نساء خالدات – السؤال التالي : كيف تستقبل السودانيات أنباء استشهاد أبنائهن ؟ [201] .وفي كتاب الينبوع للصف السادس : استخدمت استراتيجية الأسئلة في توجيه المواضيع لخدمة موقف النظام الحاكم من الحرب الأهلية ، فقد اشتملت الأسئلة على السؤال التالي : في هذه الغزوة – غزوة تبوك - صورة من صور دعم المجهود الحربي وضِّحها ؟ [138] ، مفهوم "المجهود الحربي" سينقل تفكير التلميذ إلى واقع اليوم الذي يتردد فيه هذا المفهوم من خلال أجهزة الإعلام . وبعد الانتهاء من الأسئلة ورد الآتي : أكتب في خمسة أسطر عن دعم المجهود الحربي في وطنك السودان ؟ [139] والغرض من هذا أن يتبنى التلاميذ موقف النظام الحاكم من الحرب الأهلية في جنوب السودان باعتبارها جهاد ، بصورة مباشرة . إذن أحد الأهداف التي لم ترد صراحة في قائمة الأهداف : أن يعتقد التلميذ أن الحروب التي تخوضها السلطة الحاكمة جهاد إسلامي . وهذا قد أضرّ بتقوية روح الوحدة الوطنية أيما ضرر .
ركزت سيرة الصحابة في منهج الدراسات الإسلامية للصف الثاني الثانوي التي بلغت بعدد الصفحات 22.6% ركزت أكثر علي الجانب الجهادي من حياتهم . وبقدر ما أنَّ الجانب الجهادي مهم لتنغرس في نفس الطالب الرغبة في محاربة الظُلم والدفاع عن النفس والوطن ، فإنَّ هنالك جوانب أُخرى لا تقل أهميَّة - بل تكون أكثر أهميَّة في ظروف السودان الحالية - وهي الجوانب التي تعكس الأُخوة الإسلامية من خلال حياة الصحابة كسيرة "بلال بن رباح" الحبشي ، و"صهيب" الرومي ، و"سلمان" الفارسي ،و"مصعب بن عمير" العربي – رضي الله عنهم – والتي عندما تُقدّم معاً تبين كيف أنَّ الإسلام قد جعلهم سواسية كأسنان المشط ؛ فتسهم في إطفاء نار الفتنة التي أطلّت برأسها بين مسلمي السودان ؛ فيكون الطالب مستعداً لتقبُّل – بل وحُب – علي الجعلي ، وآدم الفوراوي ، وملوال الدينكاوي ، وأدروب البجاوي . فما الذي يحتاجه السودان اليوم أكثر من ذلك ؟؟
ومثلما أنّ هنالك أهداف مقصودة لا تتحقق لوجود خلل في مكان ما فهنالك أهداف تتحقق رغم أنّها غير مقصودة ، وهذا يسمى بالتعليم المصاحب [آمال صادق،152] . ولمّا كان استنفار الطلاب للحرب التي كانت دائرة أحد الأهداف المقصودة حسب ما تم استعراضه في الفقرات السابقة ، ولأنّ أحد الموجهات التي وُضعت لتكون أساساً لتخطيط المناهج أن تفسح الخطة الدراسية المساحة الزمنية الكافية للمناشط التربوية خاصة في مجالات التدريب العسكري والدفاع الشعبي ... علي أن تعتبر هذه النشاطات جزءاً أصيلاً في المنهج وتكون مقوماً أساسياً في تقويم الدارس" [أبو شنب 82] ؛ فقد جعل المسؤولون أداء الخدمة الإلزامية شرطا ضروريا للقبول بالجامعات السودانية ؛ بل وأكثر من ذلك فقد أغرت وزارة التعليم العالي في إطار المساعي لاستدراج الطلاب للمشاركة في الحرب الطلاب المشاركين بفرص إضافية ؛ فقد جاء في دليل القبول لمؤسسات التعليم العالي للعام الدراسي الجامعي 20032004 تحت عنوان "قبول الدبابين والمجاهدين" النص التالي : ( الدبابون والمجاهدون الذين شاركوا في نفرتين أو أكثر يتم قبولهم على نظام الدراسة على النفقة الخاصة مجاناً إذا استوفوا نسبة المنافسة التي يتم القبول بها في المنافسة على النفقة الخاصة للكلية المعنية التي تحدد بواسطة الإدارة العامة للقبول )[دليل القبول،15] . إنّ الهدف الجانبي الذي سيتحقق والذي يبدو أن المسؤولين لا يكترثون له هو غرس النفاق في نفس الطالب ، لأنّ بعض الطلاب سيدخلون معمعة الحرب فقط لنيل فرصة في مؤسسات التعليم العالي ، وكان يجب أن يُساعد الطالب ليتعلم أنّ من جاهد من أجل درجات يحصل عليها أو جامعة يدخلها فجهاده إلى ما جاهد إليه .
في موضوع "غزوة أحد" في كتاب المنهل للصف الرابع بعد أن تم تناول تفاصيل الغزوة ، وترك الرماة أماكنهم ، وهزيمة المسلمين ، ختم الموضوع بهذه العبارة : ( كانت غزوة أحد درساً للمسلمين تعلموا منه أنَّ طاعة القائد مهمة وأنَّ مخالفة أوامره تعرضهم لأخطار عظيمة) [88] . إنَّ مفهوم (القائد) مفهوم شديد التجريد يجعل الرسول - صلي الله عليه وسلم - قائد من ضمن قواد كثر ، فلماذا (القائد) وليس (الرسول) ؟ فكأنما أراد المنهج أن يغرس في نفس التلميذ أهمية "الطاعة" عموماً وليس أهمية طاعة الرسول - صلي الله عليه وسلم - تحديداً ؛ وإلا لتمّ استبدال مفهوم (القائد) ب (الرسول) . يقول محمد متولي الشعراوي : ( في غزوة أحد مثلا .. انهزم المسلمون .. في ظاهر الأمر أنَّ المسلمين انهزموا ، ولكن في حقيقته أنَّ الذي انهزم هم المسلمون المتخاذلون عن منهج الإسلام .. أما الإسلام فانتصر لأنَّ الهزيمة مخالفة أوامر رسول الله .. فلو أنَّهم انتصروا مع مخالفة الرسول ماذا يكون الموقف بعد ذلك .. إنَّ الله يقول لهم .. خالفتموه فانهزمتم ، خالفتموه فانكسرتم ... وهكذا يستبقي مهابة توجيه رسول الله في نفوس المؤمنين .. ) [الشعراوي ، 36] .
منهج نحن والعالم الإسلامي للصف السابع تعرض – أيضاً – لغزوة أحد ، ووردت في سياق الموضوع عبارة : ( مخالفة الرماة لتعليمات الرسول - صلي الله عليه وسلم - كانت سبباً في هزيمة المسلمين ) [36] ؛ استخدام مفهوم (تعليمات) بدلاً من (أوامر) يؤدي إلى إحالة سريعة إلى واقع الطالب وإلى استدعاء صور ذهنية متعددة ... دفاع شعبي ... جهاد...جنوب ... ساحات فداء ... الخ . فإن فات على تلميذ الصف الرابع - الذي لا يزال في مرحلة العمليات المادية – استقبال مفهوم (القائد) ، فلن يعجز طالب الصف السابع – الذي وصل إلى مرحلة التفكير المجرد – عن استقبال مفهوم (تعليمات) .
إنَّ الهدف الرئيس – غير المكتوب - الذي يسعى المنهج إلى غرسه هو ( أن يطيع التلميذ/الطالب/المواطن القيادة السياسية الحاكمة ) . وللوصول لهذا الهدف لم يتم إهمال السيرة فحسب ، بل تم استغلالها للوصول لأهداف تخدم السلطة . ولما كان المنهج يقوم على تكامل المعرفة فقد تضمّن منهج الإنسان والكون للصف الرابع شرح النظام السياسي نظام المؤتمرات في أكثر من صفحتين [135-137] وهو النظام الذي تبنته السلطة في أوائل عهدها . أي أنّ مفهوم "طاعة القائد" يتم وضوحه في ذهن التلميذ واستكماله بشرح نظام المؤتمرات الذي يمثل إحدى صيغ النظام الشمولي ، وقد تم حذف هذا الدرس لاحقا .
العقيدة الدينية
يقول أمين حسن عمر:(إنَّ الكثيرين من الناس قد نسوا أنَّ السنة قرآنية وأنَّ العاقل لا يستغني بالفرع عن الأصل مما نشاهده في زماننا هذا ، فقد استكفى الكثير ممن ينسبون أنفسهم للعلم بالسنة عن القرآن ، فلا تراهم يستشهدون بآيات القرآن علي أمر من الأمور بل يكتفون بإيراد الأحاديث دون مضاهاتها بالقرآن ؛ لأنَّ اتساق الحديث مع الأصل القرآني هو أحد أهم المعايير لتحديد صحة الحديث من عدمها ، وهكذا انقلب الترتيب السليم للمصادر عند كثير من الناس) [أمين حسن عمر، أصول التفكير الإسلامي ، 21-22] . ويبدو أنّ هذه الفكرة هي التي تم تصميم المنهج على أساسها ؛ فقد زاد الاهتمام بالقرآن الكريم وتم تقليل السيرة والحديث النبوي الشريف .
فعند تفصيل مخطط منهج الصف الأول أساس (ص 95 – 109) جاء أنَّ التعريف بالرسول – صلى الله عليه وسلم - والإيمان برسالته سيتم تناوله تحت عنوان "العقائد" في الشهرين الثالث والرابع من العام الدراسي . وفي الشهور الأخرى يتم تناول موضوعات متنوعة في العقائد والفقه والعبادات ، بجانب القرآن الكريم الذي يشتمل على اثنين وثلاثين سورة ابتداءً من الفاتحة وانتهاءً بالانشقاق . واضح أنَّ التعريف بالرسول - صلي الله عليه وسلم - باعتباره سيرة - يحتل حيِّز ضئيل من المنهج ؛ إلى درجة أنَّ هذا الموضوع والموضوعات الأُخرى لم ترد الإشارة إليها بجانب القرآن الكريم في المخطط العام المبين في الجدول السابق مثلما فُصِّل البند(4).
أما مرجع المعلم في التربية الإسلامية للحلقة الأولى مرحلة الأساس - والذي صدرت طبعته الأولى في العام 1997م - أي بعد عام من مرشد المعلم السابق ذكره - فقد حاول تدارك بعض القصور ، ولعل أهمَّ ما اشتمل عليه المرجع - فيما يخص السيرة - هو الأهداف الواضحة القابلة للقياس . [مرجع المعلم ،4] . ولكن يبدو أنَّ التعريف به سيتم في حصتين فقط ؛ ليس بسبب قلة المادة الموجودة في الدليل فحسب ، لكن لأنَّه بعد أن تمّ التعرض لاسم أبيه واسم أمه وقبيلته - صلي الله عليه وسلم - ومرضعته ووفاة والده ووالدته وجده …… ورعيه الغنم وتجارته وزواجه وتعبده في غار حراء حتى بلغ الأربعين ورد في المرجع (سنكمل في حصة أُخرى إن شاء الله) [ مرجع المعلم،98] ثم أُكمل بقية التعريف به - صلي الله عليه وسلم .
إنَّ المادة الموجودة في الدليل لن تمكن من تحقيق هدف (أن يحب الرسول (ص)…..) و(أن يعتاد الصلاة والسلام عليه ) لأنَّ القصص الواردة في المرجع والتي من المفترض أن يتم التطرق لها ليحب التلميذ الرسول - صلي الله عليه وسلم - عبارة عن خمس قصص علي الأكثر وردت في صفحة وسبعة أسطر ، وهي لا تكفي لغرس محبته في نفوسهم ، كما أنَّ اعتياد الصلاة والسلام عليه يتطلب كثرة ذكر اسمه صلي الله عليه وسلم .
فصل مرشد المعلم لتدريس كتابي القراءة في الصفين الثاني والثالث الأهداف المتعلقة بالقيم والاتجاهات [ص4] ولم تشتمل على أي هدف يتعلق بسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم . وبالرغم من ذلك ورد في ذات المرشد - من ضمن الموضوعات التي قد تتصل بالمحاور الأُخرى - الموضوعات الآتية التي تتعلق بالدين [ 8 - 9]: الموضوعات المتعلقة بالسيرة في كتاب "الحديقة" بجزأيه هي " نزول الوحي علي النبي (ص) " و " الدعوة إلى الإسلام " و " صبر المسلمين علي الأذى " . أمّا كتاب البستان فيشتمل على أربعة موضوعات سيرة هي : " هجرة المسلمين إلى الحبشة " و " هجرة الرسول إلى المدينة " و " المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار " و " معاهدة النبي (ص) لليهود "
لو تجاهلنا مشكلة غياب الأهداف – رغم صعوبة ذلك – فهنالك ثلاثة موضوعات سيرة فقط من بين ستين موضوع ، وهي نسبة ضئيلة للغاية الملاحظة الأخرى هي أنَّ الفاصل بين درس "الدعوة إلى الإسلام" ودرس "صبر المسلمين علي الأذى" ثمانية دروس ، وقد حاول مؤلفو الكتاب معالجة التباعد بين الدرسين باستهلال درس "صبر المسلمين علي الأذى" بعبارة(لعلك تذكر- أيها التلميذ -في درس سابق) . هذا التباعد يجعل السيرة مفككة . ولا يمكن تجاوز هذا الوضع إلا بمجهود مضاعف يبذله معلم مقتدر ؛ يقوم بصياغة أهداف سلوكية مناسبة ، ويبتكر أساليب لخلق الترابط بين أجزاء السيرة الذي فرضته ظروف تقديمها عبر منهج اللغة العربية . ولكن يبقى السؤال : لماذا لم تضمن أهداف لتدريس السيرة في المنهج ؟
جاء في دليل المعلم أنَّ أهداف اللغة العربية الحلقة الثانية (مرحلة التعليم الأساسي) تشتمل علي المجالات الثلاثة : المعارف ، والمهارات ، والقيم . وتضمُّنت المعارف ستة أهداف ينص الهدف الرابع منها على (تزويد التلميذ بقدر مناسب من المعارف المتصلة بالسكان والعلوم والبيئة والسيرة والمسرح والموسيقا) [دليل المعلم ، 4] ويلاحظ أنَّ السيرة وردت في هدف واحد – في المجال المعرفي - مع خمسة موضوعات أُخرى ، ومما يجدر ذكره أنَّ السيرة المقصودة هي سيرة الرسول –صلى الله عليه وسلم - فقط حسبما ورد في الدليل . أمّا جانب القيم – الوجداني - فقد نص علي : أن يكتسب التلميذ اتجاهات إيجابية نحو مجموعة من الأهداف ليس من بينها سيرته صلى الله عليه وسلم . علماً بأنَّه يمكن استنتاج وجودها في بعضها خاصة الهدف الأول "اتخاذ القدوة الحسنة" ولكن هذا الهدف علي درجة عالية من التعميم ؛ يمكن أن يندرج تحته "خليل فرح" و"عثمان دقنه" و"الشيخ فرح ود تكتوك" وغيرهم ، ولا ضير في ذلك ، فهؤلاء أبطال لهم دورهم وإسهاماتهم ، ولكن أين خصوصية الرسول عليه السلام؟ ولا يمكن القول أن الرسول - صلي الله عليه وسلم - لم يذكر تخصيصاً لأنَّ هذا منهج "لغة عربية" وليس منهج "تربية إسلامية" ؛ لأنَّه قد جاء في مقدمة كتب الفقه : (أن تتحول بعض فروع التربية الإسلامية مثل الحديث والآداب والسيرة والتهذيب إلى محاور أُخرى مثل اللغة العربية والإنسان والكون ) . فإذا كانت السيرة لن تجد ما تستحقه في منهج اللغة العربية ، فيكون من الأفضل تدريسها من خلال منهج التربية الإسلامية.
الأفضل تدريس السيرة من خلال منهج التربية الإسلامية بصورة أساسية ، علي أن ترد في منهج اللغة العربية - مثلها ومثل موضوعات أخرى - لتحقيق أغراض متعددة أهمها ترسيخ التسامح وتقدير التنوع .
جاءت سيرة الرسول "ص" في الحلقة الثانية (الصف الرابع والخامس والسادس) في منهج اللغة العربية ابتداءً من "غزوة بدر" وانتهاءً "بحجة الوداع" ، وقد كانت نسبة السيرة في الصفوف الثلاثة 3.82 % ، 3.2 % ، 5.625 % على الترتيب ، وهي نسبة قليلة في أنسب المراحل للتنشئة الاجتماعية . وقد تم التركيز على الجانب الجهادي من حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم - ولم يرد هدف خاص بالسيرة في دليل المعلم للغة العربية الخاص بهذه الحلقة . فكيف يمكن الوصول إلى هدف غير موجود ؟!
ركّزت موضوعات السيرة على الجانب الجهادي من حياة الرسول - صلي الله عليه وسلم - من خلال الغزوات . هنالك معاني أخرى التسامح - مثلاً في كتاب المورد للصف الخامس - في موقف الرسول - صلي الله عليه وسلم - من أهل قريش عندما قال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء) . وقد تم تعزيز هذه القيمة بسؤال : علام يدل قوله (ص) :( إذهبوا فأنتم الطلقاء ) [ 163 – 166] . وهذا يسهم في تحقيق الهدف السادس في قائمة أهداف الحلقة الثانية ( أن يكتسب التلميذ اتجاه ايجابي نحو التسامح ) . كما أنَّ موضوع واقعة الحديبية تضمن حكمته - صلي الله عليه وسلم - بقبوله شروط يشير ظاهرها إلى أنَّها في غير صالح المسلمين ، ولكنها كانت في حقيقة الأمر في صالح الإسلام والمسلمين . وقد كانت هذه القيمة تحتاج إلى إنَّ تُعَزًّز بسؤال مباشر عن حكمته صلي الله عليه وسلم . وبالرغم من أنَّ منهج مرحلة الأساس لم يهدف إلى دراسة سيرة الصحابة إلا أنَّ موضوع "شريح القاضي" قد تضمن قيمة العدل بوضوح .
لم يهدف منهج اللغة العربية في الحلقة الثالثة (سابع-ثامن) إلى دراسة السيرة ؛ حيث لم يُشر إلى ذلك في دليل المعلم لتدريس اللغة العربية ، كما أنَّ الأهداف الواردة في الدليل لم تتضمن أهدافاً تختص بالسيرة ؛ وقد انسجم منهج اللغة العربية للصفين السابع والثامن مع ذلك ، إذ إنَّه خلا - أو كاد - من السيرة .
جاء في كتاب النبراس في اللغة العربية للصف السابع - الذي يشتمل علي 243صفحة - موضوع من جزءين بعنوان "يومان من أيام الرسول - صلي الله عليه وسلم" في ست صفحات ، وهو موضوع أدبي يعتني باللغة أكثر من اعتنائه بالسيرة ، وإن اُعتبر موضوع سيرة فنسبته بعدد الصفحات لاتتجأوز 2.5 % من الكتاب .
أما كتاب قواعد النحو للصف السابع - الذي يشتمل علي 101 صفحة - فقد جاء فيه موضوعان ، أحدهما بعنوان "من سيرة عمر رضي الله عنه" في صفحة واحدة ، وآخر بعنوان "عام الرمادة" في صفحة أيضاً لاتتجاوز نسبتها بعدد الصفحات 2% . بالنسبة لمنهج اللغة العربية للصف الثامن - كتاب القبس الذي يشتمل علي 241صفحة - ورد موضوع واحد هو "القرآن وكيف جمع" في أقل من أربع صفحات لاتصل نسبته بعدد الصفحات إلى 1.7% من الكتاب . وقد تضمّن منهج قواعد النحو - 179صفحة - موضوعين أحدهما بعنوان "متي استعبدتم الناس" والآخر "موكب أمير – سلمان الفارسي" في ست صفحات بنسبة 3.4% علي الأكثر .
إنَّ منهج اللغة العربية في الحلقة الثالثة لا يحتوي علي سيرة ، وهذا الرأي يتفق مع دليل المعلم ، الذي لم يقل ما يناقض ذلك . أما الموضوعات التي ذكرت فيما سبق فهي موضوعات وردت عرضاً في إطار تدريس اللغة العربية , مثلها ومثل موضوعات أخرى تتناول جوانب علمية أو فنية أو تاريخية أو غيرها ؛ فموضوعات القراءة لا تُنشأ في فراغ .
وحتى يكون للكلام والأرقام السابقة معنى , فليكن المثال التالي للمقارنة . احتوى كتاب القراءة العربية للصف الثالث المتوسط في المنهج السابق الذي طبع لأول مرة عام 1972م , في وقت لم يكن النظام الحاكم يرفع شعارات إسلامية ، بل شعارات اشتراكية - والذي يشتمل على 104 صفحة - احتوى على موضوعات السيرة التالية : موضوع "محمد ينبوع العبقريات" صفحتين ، "حامل اللواء" جزءين 8 صفحات , "نماذج من الشباب : أسامة بن زيد" ثلاث صفحات ، "من قصص الهجرة : الوعد الصادق" خمس صفحات . تبلغ نسبتها بعدد الصفحات 17% على الأقل ! وإذا وُضع في الاعتبار أنه بجانب ما ذُكر كانت "السيرة" تُدرَّس في منهج التربية الإسلامية بصورة أساسية !! ينكشف مدى الإهمال الذي وجدته السيرة في عهد النظام الإسلامي !!!
مقارنة حجم السيرة في منهج التربية الإسلامية للصفين الخامس والسادس بمنهج 1972 والسيرة في منهج اللغة العربية الحالي (المقارنة بعدد الصفحات) :
المنهج الصف الخامس الصف السادس
السابق 1972 13.7% 19%
الحالي1990 3.2 % 5.625 %
إذا اعتبرت السيرة في الوحدات الثالثة والرابعة والخامسة في منهج الإنسان والكون للصف السابع فإنَّ نسبة السيرة بعدد الموضوعات تصل إلى 37.5% وهي نسبة كبيرة ، بل كبيرة جداً ؛ تأتت من طبيعة المادة التي تتناول التأريخ الإسلامي . ولكن تناول السيرة في سياق منهج التأريخ يختلف عن تناولها في سياق منهج التربية الإسلامية . إذ يستهدف تناولها في الأخيرة أن يحب الطالب الرسول – صلى الله عليه وسلم - وصحابته – رضوان الله عليهم - وأن يقتدي بهم ، أما في حالة منهج التأريخ فلا يتم التركيز على هذه الجوانب ، ويتضح ذلك بجلاء عند النظر إلى أهداف تدريس الإنسان والكون (نحن والعالم الإسلامي) .
ويلاحظ أنَّ الغزوات التي دُرِّست في منهج اللغة العربية الحلقة الثانية قد تم تكرارها في هذا المنهج بالرغم مما ورد في الدليل أنَّ موضوعات السيرة لن تتكرر في مكان آخر [دليل المعلم في اللغة العربية للحلقة الثانية ، 8 ] وتتمحور المشكلة في تجاهل الجوانب الأُخرى من حياته عليه الصلاة والسلام .
ورد في كتاب الدراسات الإسلامية للصف الأول الثانوي أهدافا واضحة لتدريس السيرة النبوية ، وهذه هي المرة الثانية التي ترد فيها أهداف واضحة لتدريس السيرة – المرة الأولى كانت في منهج الصف الأول أساس – أي دُرِّست مناهج سبعة صفوف بدون أهداف لتدريسها ، فهل يُصلح هذا المنهج ما أفسده دهر السنوات السبع . ولو نُظر إلى هذه الأهداف الجيدة بأثر رجعي ، وتمّ تقويم موضوعات السيرة بمرحلة الأساس على أساسها ، لما حققت تلك الموضوعات هذه الأهداف . ونسبة السيرة بعدد الصفحات في هذا الكتاب 25.4% وهى نسبة عالية ، وعند مقارنتها بمناهج الأساس فهي عالية جداً ؛ إذ أنها تُشكِّل ربع منهج الدراسات الإسلامية ، وتشكِّل – تقريباً – ثُمن منهج التربية الإسلامية (الدراسات الإسلامية + القرآن وعلومه ) . وبعكس مناهج مرحلة الأساس ، وبعكس منهج الصف الثاني الثانوي ، لم يتم التركيز على الجانب الجهادي من حياته - صلى الله عليه وسلم . ولكن هذا المنهج بعكس منهج الصف الثاني قدّم جوانب من سيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم - في عبارات تقدم للطالب معلومات أكثر مما تقدم له شعور وإيمان . وأحياناً تٌقدَّم له المعلومة في إطار تشكيكي مثلما ورد في ذكر طيبه – صلى الله عليه وسلم .
نسبة سيرة الصحابة بعدد الصفحات منهج الدرسات الإسلامية للصف الثاني 22.6% . وهي نسبة كبيرة ، كنسبة منهج الصف الأول . وجدير بالتذكير أنَّ منهج مرحلة الأساس لم يعمد إلى دراسة سيرة الصحابة . أي أنَّ سيرتهم وردت هنا للمرة الأولى والأخيرة !!
ولا توجد سيرة مطلقا في منهج التربية الإسلامية للصف الثالث ، وبذالك تكون مناهج السنوات النهائية في مرحلة الأساس والمرحلة الثانوية بلا سيرة !
تفسير القرآن في المنهج :
ظهر الاهتمام الكبير بحفظ القرآن الكريم في هذا المنهج من خلال العدد الكبير من السور المقرر حفظها خصوصا في مرحلة الأساس . ولكن هل برئ تفسير القرآن الكريم من بث أفكار معينة تنسجم مع توجهات السلطة ؟ سنحاول الإجابة على هذا السؤال عبر منهج القرآن وعلومه للصف الأول .
جاء في منهج القرآن وعلومه للصف الأول الثانوي أن أشهر مدارس التفسير ست هي :1- التفسير بالمأثور : الذي أورد المنهج أن عيبه "اختلاط الصحيح بغير الصحيح ، ونقل كثير من الأقوال المنسوبة للصحابة من غير إسناد ولا تثبت مما أدى إلى التباس الحق بالباطل .. ودخول كثير من الإسرائيليات والنصرانيات ، وبعض أصحاب المذاهب المتطرفة لفقوا أقوالاً ونسبوها إلى النبي – صلى الله عليه وسلم ، وبعض أعداء الإسلام دسوا على الرسول – صلى الله عليه وسلم – الأحاديث الموضوعة [ 32 ] . ثم ورد في ذات الصفحة السؤال التالي : أذكر ضعف التأثير بالمأثور ؟ [ 32 ] مما يؤدي إلى تعزيز المعلومات أعلاه . ثم ورد تحت عنوان أهم كتب التفسير : جامع البيان لتفسير القرآن للطبري : وهو تفسير بالمأثور [ 39 ] ؛ تفسير القرآن العظيم لابن كثير : تفسير بالمأثور [39-40] ؛ تفسير الدر المنثور للسيوطي : يقتصر على المنثور [40] ورغم أن المنهج ينعت هؤلاء العلماء بصفات محمودة كثيرة ، إلا أنّ ما تقدم مما قيل عن التفسير بالمأثور ؛ يجعل الطالب يعتبرها تفسيرات غير مقبولة ، برغم تباعد الصفحات .
2- التفسير بالرأي : ينقسم إلى التفسير المحمود ، والتفسير المذموم الذي يستند إلى الهوى ، وعُززت المعلومة بسؤال عن أقسام التفسير بالرأي [ 33-34 ] .
3- تفسير الصوفية : ينقسم التصوف إلى : 1) تصوف عملي 2) تصوف نظري ، وهؤلاء يدينون بمبادئ فلسفية لا تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية [34] . ومن الكتب التي أُلفت في ذلك روح المعاني لشهاب الدين محمد الألوسي [35] . ثم ورد السؤال التالي : إلى أي مناهج التفسير يُنسب تفسير الألوسي ؟ [47] ، ولم يُشر المنهج إلى القسم الذي ينتمي إليه الألوسي ؛ سيستنتج الطالب أنه تفسير غير مقبول أو على الأقل غير مضمون .
4- التفسير الموضوعي . 5- تفسير الفلاسفة : وله قسمان : 1) من أُعجبُوا بالفلسفة وأخذوا منها كإخوان الصفا وابن سينا 2) عدم التوفيق بين الدين والفلسفة[36] . وتم التعزيز بالسؤال : ما موقف المسلمين من الفلسفة ؟
6- التفسير في العصر الحديث فقد اشتمل على أربعة أنواع : 1) اللون العلمي : جعل القرآن مشتملاً على كل العلوم ما وُجد وما لم يوجد [37] 2) اللون المذهبي : فسّّرت كل فرقة بما يتفق ومعتقداتها [38] . 3) التفسير الباطني : تفسير يتفق وشهوات القائلين [38] . 4) اللون الأدبي : طابع أدبي رقيق يصل إلى المعاني في أسلوب شيِّق جاذب [38] . ولم يذكر لهذا اللون عيب البتة . ثم ورد السؤال التالي : على ماذا اعتمد اللون الأدبي في تفسير المعاني ؟ [38] وتناول المنهج تفسير ظلال القرآن لسيد قطب الذي "عُرف باتجاهه الأدبي" [ 48] وهو الاتجاه الذي لم يُذكر له عيب . و جاء في المنهج أنّ سيد قطب ( قد اتّصل بالشيخ حسن محمد عبد الرحمن البنا مؤسس تنظيم الإخوان المسلمين في مصر والذي انتشر في مناطق عديدة من دول الإسلام ، وله أثره البيِّن في التأثير على مجتمعات المسلمين . حيث ركّز على شمولية الإسلام على جميع جوانب الحياة الخلقية ؛ والروحية ؛ والاقتصادية ؛ والاجتماعية ؛ والسياسية وغيرها) [ 48] العبارات الأخيرة تمثل مدح مباشر لتنظيم الإخوان المسلمين ؛ الشيء الذي يجعل من المنهج ساحة للدعاية الفكرية والاستقطاب السياسي ، وهذا ما لا يليق بالمناهج الدراسية .
وقد مُدح سيد قطب وتفسيره مدحاً مستفيضاً ، ولم يُأخذ عليه مأخذاً واحداً ، ولا على تفسيره ، ولا على اتجاهه الأدبي ، بعكس المفسيرين الآخرين باستثناء تفسير المنار لمحمد رشيد رضا ، وتفسير د. محمد وهبة ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي . فمثلاً الجصاص في أحكام القرآن كان "يروِّج لمذهب الأحناف وينافح عنه" [44] ؛ وفتح القدير الشوكاني تفقه على مذهب الزيدية ، وقد عُززت هذه المعلومة بسؤال [42-43] ، وقد ذُكرت الزيدية ضمن اللون المذهبي الذي فسّرت فيه كل فرقة القرآن بما يتفق ومعتقداتها [38] ؛ أما الزمخشري - صاحب الكشاف – فقد كان معتزلياًً في اعتقاده ، [45] وسُئل الطالب : ما العقيدة التي كان يعتنقها ؟ [47] مما قد يستشف منه أنّ الاعتزال عقيدة أخرى غير الإسلام وليس مذهب إسلامي .
أمّا الأسئلة المتعلقة بسيد قطب فهي : بماذا اشتهر سيد قطب ؟ اذكُر أهم كتبه في الدراسات القرآنية . ما الدوافع الأساسية لسيد قطب في تفسيره الظلال ؟ ما التصوُّر الشامل للحياة الذي يراه سيد قطب ؟ ما الفرق بين منهج سيد قطب ومنهج المفسرين السابقين ؟ [ 49] . الإجابة عن هذه الأسئلة تفضي إلى تعزيز أهمية تفسير سيد قطب ؛ أمّا السؤال الأخير فنتيجته أنّ تفسير سيد قطب هو أحسن التفاسير !
يعمل المنهج على تأكيد أنّ التفاسير الحديثة – لا سيَّما تفسير سيد قطب – هي أحسن التفاسير ، مع ملاحظة أنّ هذه التفاسير الحديثة لم تشتمل على التفاسير الأخرى كتفسير الشعراوي مثلاً .
ولكن الترابي الذي يرى أن هجر القرآن وإقصاؤه من العلم ورفعه عن سيرة الحياة التي تطورت بمعزل عنه هي الأزمة الكبرى في حياة المسلمين [التأصيل ، الترابي ، التفسير التوحيدي ، ص6] يقول : ( ولربما تأثرت الحركة الإسلامية بالسودان بفقه سيد قطب لتكفكف تعويلها على استصحاب الحرية المأمونة ... لكن الحركة لم تتقبل تكييف سيد قطب للمجتمع المسلم ورميه بالجاهلية وقلة ثقته فيه ... وقد أنكرت الحركة قطعاً بعض التطورات اللاحقة للمدرسة القطبية التي أشاعت الاتجاهات الاعتزالية التكفيرية للمجتمع التقليدي )[الترابي،1992م،252] ويسترسل الترابي قائلاً : ( وقد تولد عن المدرسة القطبية تيار غير تيار الجهاد والعزلة ، طوّر أفكار سيد قطب الكلية عائداً بها نحو أصول الفكر الاشتراكي . وقد سُمِّي هذا التيار باليسار الإسلامي ، وكان له بعض كسب على الصعيد الفكري النظري ... لم يكن له عموماً في السودان كبير أثر )[نفسه،253] وقد روِّج المنهج الدراسي لتفسير سيد قطب رغم رأي شيخ الحركة الإسلامية فيه ، ويبدو أنّ هدف المنهج الأساسي هو ترسيخ فكرة عدم ملائمة القديم وأنّ هنالك تفاسير وأفكار جديدة أفضل من القديمة ؛ ولمّا كانت الحركة الإسلامية أو بالأحرى الترابي لم ينجز تفسيره التوحيدي بعد ، فقد استلزم الأمر الاتكاء على تفسير سيد قطب إلى حين .
المنهج والصوفية :
وقد واكب قلة الاهتمام بالسيرة في المنهج الدراسي الذي لم يشتمل على قصيدة واحدة في مدح الرسول لا في الأساس ولا الثانوي تقليل أهمية التصوف ؛ مثل الذي ورد عن تفسير الصوفية للقرآن أعلاه . ورغم أنّ منهج الفقه للصف الخامس تضمن قصيدة الصلاة للشيخ محمد وقيع الله البرعي ، إلا أنّ ذات المنهج قد تضمن تحريم التوسل بالصالحين من عباد الله – وهي مسألة خلافية على حد علمي – وهو بخلاف ما يعتقده الصوفية ؛ وبالتالي وقع المنهج في التناقض ، إذ أنّ الشيخ البرعي نفسه يتوسل بالصالحين ، في قصيدة مصر المؤمنة- مثلاً – الذائعة الصيت والتي لا شك أنّ كثير من التلاميذ يترنمون بها . فلماذا أورد المنهج قصيدة الصلاة للبرعي ؟ الراجح أنها ضُمِّنت لتعطي انطباعاً بأن المنهج يعكس كل قطاعات المجتمع السوداني ، وهذا ما يناقض الحقيقة .
من ناحية أُخرى جاء في كتاب الرياضيات للصف الأوّل [ 3] تحت عنوان الرياضيات عند الصينيين : أنّ الصينيين قد عرفوا المربعات السحرية وكانوا يعتقدون فيها ، ومن أمثلة المربعات السحرية ما يأتي :
2 9 4
7 5 3
6 1 8
هذا مربع يشتمل على أرقام فما دخل السحر ههنا ! ألكونها تُجمع في أي اتّجاه فتعطي 15 سبباً يكفي لوصمها بالسحر ؟! يزول العجب إذا عُرف أنّ هذه الأرقام تُنقش على خاتم يلبسه كثير من المتصوفة ؛ أي أنّ الرسالة الموجهة للطالب هي أنّ الخاتم الذي تلبسه - أو يلبسه أحد معارفك – له أُصول سحرية ، وأنّ الذين يعملون مثل هذه الخواتم (الصوفية) يعتقدون فيها لذلك فهم سَحَرَة .
يرى الباحث أنّ الصوفية يمتازون بصفتين ، إحداهما أنّهم الأكثر قدرة على التعايش مع الآخر غير المسلم بعكس غيرهم ؛ وهذه صفة تفيد الوطن . والأخرى أنّهم الأكثر قدرة على نشر الإسلام ؛ وهذه صفة تفيد الدين الإسلامي . ويرى آخرون غير ذلك ، فتبقى إشكالية تحديد القيم والاتجاهات التي تُنشّأ عليها الأجيال ، أي تظل فلسفة التعليم محل أخذ ورد إلى أن يُجمع السودانيون على فلسفة يرتضونها .
خاتمة :
ترسيخ العقيدة الدينية كهدف أول من أهداف التعليم السوداني لم تعني سوى العقيدة الإسلامية ، مما أدى إلى تدريسها لغير المسلمين قسرا من خلال المنهج الذي محوره العقيدة ، الشيء الذي أضرّ بوحدة السودان ضررا بليغا ، وأسهم في وضع السودان على حافة الانفصال . وقد آن الأوان لوضع غايات التعليم على طاولة النقاش الذي يشارك فيه كل المجتمع ، ولظهور مفردات جديدة في غايات التعليم السوداني مثل (الأديان) و (التنوع الثقافي) و(الديمقراطية) .
وعلى غير المتوقع في منهج محوره العقيدة تم تهميش السيرة والحديث الشريف ، تم تهميش السيرة التي تنسجم مع ميول التلاميذ في هذا المنهج الذي تم وضعه في عهد الحركة الإسلامية ، وكان ينبغي تدريسها بصورة أفضل من خلال منهج التربية الإسلامية .
المراجع :
1 المناهج الدراسية وأدلة ومراجع المعلمين .
2 عثمان حسن أحمد ، أهداف التربية السودانية ، مجلة حروف ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، العدد الأول ، سبتمبر 1990م .
3 أبو شنب ، د. محمد الحسن ، التأصيل الثقافي والفكري للشعوب العربية والإسلامية في مجال التربية والتعليم ، مجلة التأصيل ، العدد الأول ، ديسمبر 1994م .
4 حيدر ابراهيم(دكتور) ، التعليم وحقوق الإنسان ، ط1 ، القاهرة ، مركز الدراسات السودانية ، 2002م .
5 ناصر السيد ، تاريخ السياسة والتعليم في السودان ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، 1990م .
6 أمين حسن عمر ، أصول التفكير الإسلامي ، ط2 ، الخرطوم ، المركز القومي للإنتاج الإعلامي ، 1996.
7 آمال صادق(دكتورة) و د. فؤاد أبو حطب ، علم النفس التربوي ، ط8 ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 2004م .
8 اللقاني ، د. أحمد حسين ، المناهج بين النظرية والتطبيق ، القاهرة ، عالم الكتب ، ط3 ، 1989م .
9 الدرماش سرحان(دكتور) ود.منير كامل ، المناهج ، ط4 ، 1991م
10 التجاني عبد القادر ، الجامعة والتغيير الاجتماعي ، الخرطوم ، دار الفكر .
11 فيليب هاء فينكس (ترجمة وتقديم الدكتور محمد لبيب النجيحي ) ، فلسفة التربية ، دار النهضة العربية بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر ، القاهرة نيويورك ، 1982 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.