ًأمام مجمع طبي بالشهداء بأم درمان وفي منتصف الطريق وجدت الناس ينظرون الى أحد الشماسة الذي استبد به الطرب فادهش المشاهدين ببراعته ومهارته في الرقص. السبب في ذلك ان أحد غاسلي العربات كان قد وضع شريطاً في عربة يقوم بنظافتها وقد فتح ابوابها الأربعة فانبعث منها نغم خليجي ساخن استطابه كل السامعين حتى (أنا ذاتو). تمعنت في ذلك الشماسي حيث كان يضع خرقة حمراء في فمه مبللة بالسلس أما بقية أجزاء جسمه فقد كانت تستجيب للنغم بصورة مدهشة فأحياناً يثبت جسمه ويحرك رقبته يميناً ويساراً كأنها مزروعة وأحياناً أخرى يخطو برجله اليمنى ويتبعها اليسرى جراً على الاسفلت ويلف ويدور في نشوة وتمكين يجعلك تجزم وتقول إن هذا الشاب حفيد احد شيوخ الخليج. أما الحضور فقد كانوا يساعدونه بالصفقة المتسارعة التي اختص بها رجال الزوارق البحرية بالخليج العربي. الحمد لله الذي جعل الطرب من نصيب كل عباده بغض النظر عن أعراقهم او أديانهم أو الدرجة الوظيفية. دلفت الى داخل المجمع الطبي حيث اصابني الذهول حين رأيت قاعات كبيرة مكتظة بالمرضى والمرافقين وفي نهاية كل قاعة اصطف موظفو الاستقبال لتوجيه وتنظيم الزبائن وبرمجة مقابلاتهم للأطباء إذ أن بالمجمعات ما يربو على الستين طبيباً في تخصصات مختلفة. لما لم اكن قد حضرت قبل ذلك استعنت بأول موظف استقبال وسألته أين عيادة دكتور حمد؟ فقال أذهب الى الطابق الاول. الصديق دكتور حمد ابراهيم اختصاصي أمراض نفسية وقد تعرفت عليه في حلقة كنا قد قدمناها سوياً في احدى ليالي رمضان بقناة النيل الأزرق. وجدت امام باب العيادة نحواً من عشرين شخصاً رجالاً ونساءً جلوساً وقد كان في ذهني انني سأجد مرضى مسربلين بالحديد يزبدون ويسبون الناس إلا ان الحضور كانوا في غاية النظافة والرقة بل والجمال، فصرت أوسوس في داخلي يا ربي ديل عيانين ولا حارسين ليهم زول؟ دخلت وسطهم في لطف فافسحت لي الطريق امرأة في هدوء شديد إلا ان نظراتها كان تقول (أخير أزح أب صلعة دا كان اتهيج بناكل حسكنيت). جلست في هدوء وانا أسأل لله ألا يعرفني أحد، وبدأت اتسارق النظر معهم حتى وقعت عينايَّ على وجه اعرفه تماماً فهو احد طلابي باحدى الجامعات وقلت له بعد التحية كنوع من الهجوم الوقائي لقد حضرت هنا لاجراء مقابلة صحفية مع د. حمد مالك انت؟ قال جئت مع خالتي. فقلت ماذا بها فقال انها تسمع اصواتاً قادمة من الأفق. هل هي متزوجة؟ قال طلقها ستة رجال فقلت له دي مش تسمع أصوات دي ترقص على طبقة الأوزون بالساري الهندي.