اولوياتنا لاطفالنا ..شعار ربما رفعه المجلس القومي لرعاية الطفولة ليكون ديدن عمله ومنهج عمله بشكل مطلق او كما تبدو افعاله على الواقع ، فهو غير انه سعى (حثيثا) لان يكون للطفل قانون خاص به يحميه شر (مسغبات) الحياة ويرعاه (بحنية وحميمية) ، فانه ظل (المجلس) يبتكر المبادرات التي تعزز ان يكون للطفل اهمية يجب ان تراعى وتقدر من قبل الدولة ، المجتمع والاسرة بالطبع .. واكثر ما شد انتباهي ( ابتكاره) الاخير حينما دعا فئة مختارة من الاطفال سماها (برلمان الاطفال) ، ليست الفكرة ان يأتي مسئولو مجلس الطفولة بهؤلاء الاطفال ليلقنوهم كيف يفكرون في ان ينتزعوا حقوقهم او ان يطلقوا حناجرهم ليشكوا الاهمال الذي ربما لحق بفئة منهم ، بل الفكرة ان يتحول هؤلاء الاطفال من متلقين الى فاعلين حقيقيين .. بمعنى ان يشاركوا بانفسهم في اعداد القرارات التي تخصهم وان كانت على مستوى دستور السودان الدائم الذي يجد اهتماما من كافة القوى السياسية والحزبية الآن .. ففي الورشة التشاورية حول تضمين رسائل حقوق الطفل بدستور السودان التي اقامها مجلس الطفولة وكنت حضورا كاحد المراقبين ، ادهشتني بحق المشاركة الفاعلة والناضجة من الاطفال المشاركين التي كشفت وعي هؤلاء الاطفال.. ليس بحقوقهم فقط بل بما يدور حولهم وبما تمور به الساحة على كل الاصعدة .. فهؤلاء جديرون ان يُرفع عنهم الظلم الذي التصق بهم كاطفال بأنهم لا يهتمون بالقضايا السياسية او قضايا الوطن عموما وان اهتمامهم ينحصر فقط بقضايا هامشية لا تتعدى احلامهم الطفولية .. مشاركة الطفل في مثل هذه المناشط تنمي فيه القدرة عن التعبير عن ذاته ورغباته.. بل تخرجه من حصار التبعية الثقافية المستوردة التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا لهوية اطفالنا وطمسها وتشويهها ، بفعل الانفتاح غير (المؤسس) على ثقافات العالم الذي جلب لنا سلوكيات لا تشبه قيمنا الدينية السمحة الفاضلة .. فمن حق هؤلاء الاطفال ان نوفر لهم الحماية حتى لا يكونوا ضحايا للاستلاب الثقافي والفكري الذي دخل بيوتنا دون استئذان .. وحتى يتحقق هذا لابد ان نوفر لهم البدائل التي تشبع رغباتهم لكي لا يضطرون للهروب الى الخارج فتحتضنهم ثقافة الآخر بترحاب .. إذن لابد ان نستمع لهؤلاء الاطفال باهتمام شديد ونزرع فيهم الثقة بالنفس لكي يعبروا عن ذواتهم ورغباتهم بطلاقة، وهذا بالطبع يجعل الطفل مشاركا فاعلا في كل المناشط خاصة تلك التي تعنيه بل تجعله اكثر استعدادا لتطوير الحس النقدي بداخله، ويشعره باهمية المشاركة بالرأي الصائب في القضايا الوطنية خاصة وان السودان يمر بمرحلة دقيقة يتطلب ان يسهم في تجاوزها كل اهل السودان وان كانوا اطفالا.. اطفال البرلمان استوعبوا هذه الادوار جيدا واظهروا قدرة فائقة على المشاركة في الورشة التشاورية جعلتهم متفاعلين مع القضية التي طُرحت عليهم بالورشة ، وهي قضية خاصة بهم وببناء مستقبلهم ، قدرة جعلتهم يعبرون بصدق وفاعلية عن تلك القضية مطالبين ان تتضمن دستور السودان القادم ولسان حالهم يقول نحن الاطفال الاجدر بان تهتم بنا الدولة والمجتمع وبقضايانا لاننا اللبنة الاولى في الاسرة التي هي اساس المجتمع والتي تشكل المستقبل المضئ للسودان ان وجدت الاهتمام الاوفر .. هؤلاء الاطفال وعبر مشاركتهم ارسلوا رسائل واضحة ذات معنى ودلالة كان اولها (انا طفل سوداني وبس .. متساوي في الحقوق والواجبات) .. وهذه تعني ان توفر لهم كل الحقوق سواء في التعليم (المجاني) والصحة والامن والمأوى والحماية من العنف والاساءة والاهمال دون تمييز ، يعني ان كل الاطفال متساوون في ذلك سواء أكانوا معاقين او اسوياء او فقراء او ذوي الحاجات الخاصة .. اكثر ما لفت انتباهي مطالبتهم باصرار ان يشاركوا في القضايا التي تخصهم وعبروا عن ذلك بقولهم ( لا تفكروا عننا بدوننا .. لا شئ يهمننا بدوننا ..مشاركتنا تعزز قوتنا ) هذه الرسائل تشير الى وعي هؤلاء باهمية المشاركة والتعبير عن ذواتهم وان الغير لا يستطيع ان يسبر غوار ما يطالبون به حتى تتحقق لهم وفق رغباتهم ، فيما يبدو انهم يستوعبون جيدا المثل القائل (ما حك جلدك مثل ظفرك).. هذه الروح التشاركية التي بدأت تظهر في تعبيرات هؤلاء الاطفال تشير الى انهم وضعوا اقدامهم في سلم الاعداد الجيد والارتقاء الى مراكز القرار ، فهؤلاء جديرون بالاهتمام ليكونوا غرسا طيبا يستطيعوا ان يحملوا راية السودان مستقبلا .. حتى لا نكون مثل كثير من البلدان التي لا تعطي اهتماما كبيرا لاعداد قادة وتنمية القدرات بابنائها منذ طفولتهم قبل ان يكونوا شبابا ، والان ما يحدث في كثير من الدول من اضطراب (سياسي واقتصادي) هو بسبب ازمة وجود قادة اكفاء يستطيعون لملمة ما تمور به بلادهم من انفلات .. رسائل اخرى ارسلها هؤلاء الاطفال جديرة بالاهتمام ايضا .. وهي التأكيد على ان يهتم المسئولون والمجتمع ومنظماته بكل ما يُناقش حول الاطفال وان لا يُترك منسيا بقاعات المؤتمرات ينتهي تأثيره بنهاية تلاوة التوصيات ، وهي رسالة واضحة لكل ذي بصيرة ، وفي هذا المقام تعني أهمية ان كل رسائلهم ينبغي ان تدرج بالدستور، وان تتنزل التزامات المسئولين بدءا من الذين اعدوا الورشة التشاورية وحتى من يقومون باعداد الدستور الى الواقع .. فهلا وجدت رسائلهم هذه اذناً صاغية حتى تكون أولوياتنا لأطفالنا ؟؟