في مارس/العام الماضي أجرت صحيفة الصحافة حواراً مع بعض قادة الدفاع الشعبي .. أعتبر البعض أن الحوار وقتها قد تجاوز الخطوط الحمراء (بالقديم) أي قبل رفع الرقابة القبلية .. كان من بينهم منسق المرأة للدفاع الشعبي، التي سألتها الصحيفة عن النظرة السلبية التي مثلت موقف البعض في المجتمع من عرس الشهيد ! .. فأجابت بالآتي : (أزيدك كمان ناس الجبهة ذاتهم قالوا ما فيهو تأصيل لكن هناك آراء أخرى حوله) .. وهي بحسبها آراء إيجابية ترى في عرس الشهيد تعزية لأسرته، وتعبئة لبقية أفراد المجتمع، ثم ليطمئن بقية المجاهدين أنفسهم ! .. النظرة السلبية التي عناها السؤال و أغفلتها الإجابة تبدأ من موقف الأم الثكلى التي ترى في الاحتفال بالموت عوضاً عن (البشتنة) في إظهار الحزن، ثقافة غريبة دخيلة على أعراف الثكالى، النائحات، المعددات حتى آخر رمق .. عندما تفجع الأم بفقد ولد، لا تسعفها سوى ثقافة الحزن المستوطنة فيها .. لا تعزيز نصي جديد على مسامعها .. ولا تأصيل شرعي مستحدث .. ولا تأصيل وطني تروج له متاجر السياسة .. وفي هذا تتساوى كل الأمهات ! .. وعن مثل هذا في بريطانيا : أقام حزن والدة الجندي البريطاني (جيمي جينز) الذي قتل في انفجار بأفغانستان الشهر الماضي أقام دنيا الصحف البريطانية و(قيامة) رئيس الوزراء البريطاني (جوردون براون) الذي كان قد أرسل إلى أسر الجندي البريطاني القتيل رسالة تعزية بخط يده ! .. لكن والدة الجندي وصفت الرسالة بأنها (مهينة) لأنها مكتوبة بخط سيء، وعلى عجل، وقالت إنها قد شعرت بالغضب عندما اكتشفت أن الرجل قد كتب اسم ابنها (جيمس) بدلاً عن (جيمي) .. الأمر الذي اعتبرته (إهانة)، وعدم احترام لذكرى ابنها !.. الصحف البريطانية تبرعت بنشر صور من الرسالة، حتى يقف الرأي العام على حقيقة اتهامات الأم .. فسارع مكتب السيد (براون) إلى إصدار بيان قال فيه إن رئيس الوزراء يكتب رسالة لكل أسرة من أسر الجنود القتلى على حدة، ليعبر لهم عن امتنان بريطانيا للتضحية التي قدموها دفاعاً عنها ! .. وتوالت (الكبكبة) بإقرار الرجل بأنه فقد إبصار إحد عينيه ويعاني من مشكلات في العين الأخرى، بسبب إصابة من زمن الطفولة .. وأنه يعتذر بشدة عن هذا الخطأ الإملائي غير المقصود ! .. لاحظ أن ضعف البصر معيق لا علاقة له بالكتابة بل بالقراءة، الأمر الذي يجعل الأمر يبدو اعتذاراً لأجل الظهور بمظهر المعتذر .. ثم لاحظ أن اسم (جيمي) عادة هو اسم التدليل الذي يطلق على الشخص الذي يحمل اسم (جيمس)، وكان يمكن للرجل أن يقول ببساطة بأنه قد ظن (جيمس) هو اسم (جيمي) الأصلي وسيبدو الأمر منطقياً للغالب الأعم .. لكنه كان ليعطي البعض الآخر مبرراً للاستمرار في تناول قضية الخطأ الإملائي الذي سيقود بلا شك إلى تناول قضية الخطأ السياسي الأهم وجود الجنود البريطانيين في أفغانستان! .. وفعلا .. (الكمدة بالرمدة) .. اعتذر الرجل وكفى .. كفى الله السياسيين الأحياء شر أمهات الجنود الميتين !