ظل الاقتصاد السوداني يعاني من حالة ركود وانكماش ملحوظ منذ بداية العام الحالي، نتيجة لتداعيات الأزمة المالية العالمية وتراجع أسعار النفط وبالتالي ضعف ايرادات الدولة وتراجع الانفاق العام الأمر الذي فاقم من الكساد بالاسواق وزاد من ازمة شح السيولة لاسيما وان الدولة أكبر مستهلك، حيث تشكل المشتروات الحكومية حوالى (70%) من حجم الاستهلاك المحلي.. ومن هنا ظل الكساد والركود سمة اساسية تلازم السوق المحلي حتى مع قرب حلول عيد الاضحي المبارك لينعكس الانكماش سلباً على بقية القطاعات الاقتصادية بالبلاد.. لكن هذه القطاعات الاقتصادية متمثلة في قطاع (الطيران والسياحة والفنادق، ووكالات السفر وشركات الطيران والنقل الداخلي والخدمات والاتصالات) تشهد هذه الايام انتعاشاً ملحوظاً ومفاجئاً واستثنائياً متزامناً مع استضافة السودان للمباراة الفاصلة بين مصر والجزائر اليوم الاربعاء. ولعل هذا الانتعاش الاستثنائي طال كل القطاعات الاقتصادية والسياسية والرياضية والاجتماعية لينعكس هذا الانتعاش على الشارع العام بوضوح في البهجة والمسرة والتشجيع المتبادل للفريقين الجزائري والمصري،وهنالك من يشجع بتعصب الجزائرو آخر يشجع مصر، ولكن الكل يتفق على انهم جميعاً اشقاء منحونا هذه البهجة والفرحة في الزمن (العبوس)، بل نقلوا السودان من تصدره لشاشات الفضائيات باحداث دارفور او المجاعة او النزاعات والصراعات بالجنوب او خلافات الشريكين حول تنفيذ اتفاقية السلام اوارتفاع اسعار السكر والغلاء المفتعل للسلع الاساسية والاستهلاكية وغيرها من الآلام التي لاتحصى ولاتعد الى الحديث عن السودان (العربي) الذي يستضيف مباراة فاصلة بين فريقين عربيين يمثلان العرب في كأس العالم باجنوب افريقيا ليبقي الحديث ايجابياً عن الجمهورالسوداني وعشقه للكرة واختيار المصريين له كخيارأول وتعاطف بلد المليون مربع مع بلد المليون شهيد، كما جعلت السودان حكومة وشعباً امام امتحان لمواكبة هذا الحدث العربي الفريد وتأمين كافة متطلبات النجاح لهذا الحفل الكروي الذي يحيي الامل وسط الجميع، ومن هنا اصبح الجميع يتحدث عن الاستقبال الحاشد للفريقين او المنتخبين والاجراءات وتسهيلها وكرم الضيافة وتأمين المباراة والرهان على المشجع السوداني وحبه للمستديرة وجهود ادارة نادي المريخ واتحاد الكرة فى انجاح هذه المباراة. ونحن في مجال الاقتصاد نشير الى البعد الاقتصادي لهذا الحدث الكروي الفريد وتاثيره علي الاقتصاد السوداني، ونؤكد انه انعكس وسينعكس ايجاباً على كافة القطاعات الاقتصادية خاصة قطاع السياحة والطيران والنقل والاستثمار والاتصالات وكافة القطاعات الخدمية بينما كشفت سلطات مطارالخرطوم الدولي عن ارتفاع حجم رحلات الطيران عبرالمطاربنسبة (65%) عن المعدل اليومي بينما ازداد عدد النزلاء بالفنادق باختلاف درجاتها والتي يتوقع ان تضيق سعتها عن استيعاب المشجعين للمباراة والذين من المنتظران يفوق عددهم ال(35) الف مشجع كما تلاحظ ان حركة النقل الداخلي عبر (التاكسي والحافلات والبصات السياحية والميني بص) شهدت انتعاشاً ملحوظاً بينما ازداد الطلب علي شراء شرائح الهواتف النقالة فضلا عن انتعاش قطاع السياحة بالبلاد والذي سيشهد خلال الفترة المصاحبة لاقامة الوفود المشاركة في المباراة تنظيم رحلات سياحية للمواقع السياحية والاثرية والتاريخية بالبلاد. ولما كان السودانيون مشهورين بكرم الضيافة سارع عدد من المواطنين الى اعلا ن استعدادهم لاستضافة الوفود المشاركة والمشجعة لمباراة الجزائرومصربمنازلهم بينما اطلق البعض هذه الدعوات عبرالانترنت،ولعل في هذا تأكيداً لكرم الضيافة. نتمنى للجميع مباراة ممتعة ومفتوحة وان تصبح خرطوم اللاءات الثلاث ملاذاً للعرب جميعاً ونؤكد اننا نشجع مصروالجزائروالفائزفي النهاية فريق عربي يمثلنا كلنا وتبقى اقامة المباراة انتعاشاً استثنائياً لاقتصادنا الوطني ومدخلاً اساسياً لتغيير وجه السودان في شاشات الفضائيات والتعريف بهذا الوطن القارة وانسانه الاصيل والكريم، ومرحباً ب (ابناء النيل وابناء عبد القادر الجزائري) في بلد المليون ميل مربع وتحية خاصة للاعلام المصري والجزائري وتحية أخص لصحيفة (الخبر) الجزائرية على مهنيتها العالية في نقل الاخبار والتعامل مع الحدث واختيارها للعناوين والتي ذكرتني تغطيتها لاحداث مباراة مصر والجزائر بالقاهرة الى بتغطيتها لخبر القبض على صدام حسين وكنت وقتها في الجزائر في اواخر ديسمبر من العام 2003 في رحلة عمل، حيث تصدرمانشيت هذه الصحيفة بالبنط العريض (صدام في قبضة الامريكان) وعندما رجعت الى الخرطوم واطلعت على ارشيف صحيفة (الرأي العام) وجدت ذات المانشيت متصدراً الصفحة الاولى ومن هنا نحيي المهنية في جريدتي (الخبر) و(الرأي العام) فهذا هو ديدن المهنية والرزانة.