الروائي محمد حسن أحمد البشير قدم رويته «تلميذ من المدرسة» والتي نشرت مسلسلة في ملف «كتابات» ب «الرأي العام»، وقد لاقت الرواية قبولاً واسعاً مما لفت إليها الأنظار.. وهو كاتب صاحب موهبة وتجربة وجودية عميقة. التقت به «كتابات» في هذا الحوار الخاطف وناقشت معه الكتابة الروائية بشكل عام، كما تعرض الحوار لنقد رواية «تلميذ المدرسة» وهذه هي أهم المحاور التي دار حولها النقاش. «المحرر» ------------------------------------------------------------------- هناك تراث روائي حول البطل الصبي- توم سوير، ديفيد كوبرفيلد.. هنا علي بخيت «تلميذ المدرسة» اين يكون وكيف بين هؤلاء الصبية عند الامريكي مارك توين والانجليزي تشارلس ديكنز. ? حرصت ألا اتأثر بمن سبقني ف ي الادب العربي، او الغربي الذي تخصصت فيه. وانقطعت لفترة عن قراءة الروايات حتى أقدم عملاً أصيلاً ومستقلاً بعيداً عن هذه المؤثرات. من أعظم القصص هنا قصة سيدنا يوسف وفيها تكنيك قصصي فريد من نوعه بدأت من النهاية «أني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين» والنهاية كانت «ورفع ابويه على العرش وخروا له سجداً وقال يأبتي هذا تأويل رؤياي من قبل وقد جعلها ربي حقا». الأدب الغربي في نهاية القرن التاسع وصل إلى هذا - كتابة القصة من نهايتها. وقصة يوسف كانت اللازمة فيها هي «القميص». فالقميص في البداية كان دليل معلومة كاذبة، وفيما بعد أصبح دليل براءة. .. «إذ قال يوسف لأبيه يأبتي اني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين..». قصة تلميذ من المدرسة بدأت بنهاية «الجلد» وانتهت بالنجاح وكانت «حكاية» الجلد هي اللازمة التي تابعت بطل القصة.. وترك المدرسة بسبب الجلد وهرب من المدينة لذات السبب. أرتد أمياً وعاود الدخول للمدرسة بعد الاهانة التي تلقاها بسبب أمنية «أخربو دا ما بعرف القراية». ثم معاناته الكبرى بسبب كبر سنه بين التلاميذ. ? الرواية كانت تتطور بناء على منطقها الذاتي الداخلي بشكل درامي رائع إلا أن ايديولوجية المؤلف تدخلت في المشهدين المشهد الأول سعاد التي كانت تخدم المدرسين، والمشهد الثاني علاقة علي بخيت بالشحاذة. ? كاتب القصة جزء من قيم القرية، الذي لديه حاكمية ومرجعية وهناك سقف للحرية الفردية لا يستطيع ان يتخطاها الانسان وهذا عكس القيم الفردية والليبرالية المطلقة حيث الحرية مفتوحة عند الكاتب الوجودي واللبرالي وهذا هو الفرق بين الحياة الجماعية والفردية والحرية المطلقة والحرية المقيدة. ? الرواية هي مشهد واسع يضم كل السودان ولهذا كان ينبغي ان تضم الريف والحضر غاب الغرب والشرق الجنوب لماذا؟ .. الا انها كانت منحازة للقرية لأن موقفها المبدئي كان متأملاً للسودانوية.. والتي لا تتجلى إلا عبر القرية.. والمدينة هي هنا تشويه للفكرة «السودانوية» وبذا تصبح القرية معادلاً للأصالة والمدينة هي المكافئ الموضوعي للحداثة.. كيف يمكن ان يكون هذا الكلام صحيحاً؟ ? الأصالة تفرض نفسها هنا.. في كل الأمم تحد جزء من هذه الأمة تلقى تيارات من التحضر والتأثير الخارجي في شمال وسط السودان تأثر بالموجات الحضارية القادمة من مصر والجزيرة العربية بحكم الجغرافيا.. هذه التيارات تفاعلت مع الثقافة المحلية..وأيضاً الحضارات كلها في العالم قامت على ضفاف الأنهار وبحكم هذه الحضارات انتشرت في السهول والأرياف. انك تجد الفاشر والجنينة والمدى في كل أطراف السودان يتكلمون لهجة الشمال والوسط ويعبرون عن وجدانهم بلغة الوسط والشمال، وحتى أنواع الأطعمة واللبس هو متشابه في كل هذه المناطق.. هذه ليست جهوية.. بل هي طبيعة نشأة الحضارات.. وهذا لا يعني ان انسان الوسط يتميز علي الآخرين وأنا اختلف مع الروائي إبراهيم اسحق الذي يقول ان السهول موحية للأبداع أكثر من ضفاف الأنهار لان المشاهد عبر التاريخ وعبر البلدان ان سكان ضفاف الأنهار هم الآثرى وجداناً وأرق حواشي... ولذلك تجد تعظيم النفس البشرية في ضفاف الأنهار حيث يظهرون الحزن والجزع عندما يفتقد الانسان عزيزاً عليه ولذلك فإن سكان الانهار وخاصة نهر النيل في شماله وجنوبه أقل حوادث قتل في العالم.. أتمنى ان تأتي تسمية بديلة «للغابة والصحراء».. لأن الغابة لا تخرج مبدعين لسهولة الحياة ليس هناك استفزاز أو تحدى حضاري عكس سكان الأنهار الذين يبتدعون وسائل لنظام الرأي. اولاد القولد والبرقيق ينجحون في الامتحان.. الصحراء فيها قيم الكرم والنخوة أميل لتسمية «النهر الخالد» هي المدرسة التي تكون فيها الطيب صالح. ? هذه الرواية اين هي من السيرة الذاتية؟ - هذا يتوقف على شوف النقاد.. ولكن هذا النص يجمع بين ثلاثة عناصر هي السيرة الذاتية لان معظم الأحداث يعرفها المؤلف اما أنه شاهدها أو عايشها وفيها تاريخ اجتماعي للتغيير الذي حدث في القرية بعد دخول شبكة المياه وشبكة الكهرباء.. إذا كان الطيب صالح مهتماً بالتباين الحضاري بين الشرق والغرب فهذه الرواية تحكي عن التغيير الاجتماعي الذي حدث للقرية وثالثاً لأننا حاولنا ان تكون هناك أحداث متصاعدة درامياً فيها قدر من عنصر التشويق حتى يكون هناك تماسك للعناصر الثلاث السيرة الذاتية والنهج التسجيلي والتوثيق والثالث الدراما القصصية. ? يقول مقدم الرواية الاستاذ محمود خليل ان الرواية كتبت عبر منهج يجمع بين الواقعية والرومانسية.. ونرى ان الرواية اهتمت بالرصد الواقعي للحياة في القرية.. إلا أنها لم تستطع ان ترتفع برؤيتها إلى المستوى الشعري الذي أصبح هذه الرؤية الرؤية المعاصرة. لم يعد المضمون هو وحده الذي يصنع رواية عظيمة؟ - أعتقد ان القصة لها نمط واحد وقوالب محددة ويمكن ان تتنوع القصة الواحدة أو القصص المختلفة بين الواقعية والشعرية وان تتنوع اللا واقعية رومانسية وواقعية تجمع بين الواقع والخيال أو واقعية بحتة. وحتى الناحية الشعرية قد تتخلل القصة أو ان تتقدم دون ان يؤثر هذا في جاذبية القصة وتشويقها للقارئ.. والقصة الواقعية الناجحة التي ترفد القصة باحداث حية ومتسلسلة ومتناغمة بصورة منطقية وعقلانية وفي اعتقادي ان القصة التي تجذب القارئ لا تتركها حتى تنتهي من قراءتها هي القصة التي حققت قدراً من النجاح أكثر من غيرها من الانماط الأخرى ولكنها غير شيقة وغير متناغمة. ? هذه الرواية تعكس تجربة حياتية وفكرية.. هل ترى أنها تعكس خبرة حرفية ما.. وكيف يمكن للروائي اكتساب مثل هذه الحرفية؟ - كما ذكرت .. قبل ان اكتب هذه الرواية بسنوات عمدت الا أقرأ أية روايات طويلة مكتوبة باللغتين العربية والانجليزية حتى لا يؤثر هذا التكنيك الذي كتبت به هذه القصص على نص هذه الرواية. أردت ان تكون غير متقيدة بالانماط السائدة وان أقدم تكتيكاً جديداً أو متفرداً يجمع بين الثلاثة عناصر- الواقعية الاجتماعية والسيرة الذاتية والناحية الدرامية للسرد القصصي. ? ولكن هذا الموقف لا يعترف ضمناً بالتناص. هي محاولة ما امكن على عدم تكرار التماثل النصي مع كتابة الآخرين وحرصت على ألا أقرأ للكاتب الطيب صالح الذي تصفه أنت بأنه سقف الواية السودانية»..