نهاية القوات الافريقية في دارفور كانت غير مشرفة، ذهبت تلك القوات مشيعة بلعنات المدنيين. أكثر ما قاله الناس عنها «انهم قوات تقارير»، او على رأي إحدى نساء دارفور: «ديل يكتبوا كتلوا بس»، ولكن هل القوات الهجين، التي دشنت مهمتها مطلع يناير الجاري في احتفال متواضع جرى في مدينة الفاشر، ستنتهي إلى حيث انتهت القوات الافريقية؟ هل ستتحول الى جزء من المشكلة في دارفور؟. وهل دشنت الهجين مهمتها، وهي اصلا، مطوقة باحتمالات الفشل في حماية المدنيين وحماية نفسها، قبلا، وهل بدأت نشاطها وفي بالها عدم القدرة على المساهمة في خفض التوترات والخروقات ما يمهد الى حل المشكلة سياسيا؟ سيل من الاسئلة على هذه الشاكلة، تفجرها تصريحات اطلقها ناطق باسم الهجين الاسبوع الماضي، في معرض رده على اسئلة حول العقبات، التي تعترض اكمال نشرها. قال الناطق (ان العمليات العسكرية التي تصاعدت اخيرا في دارفور وتحديدا في غرب دارفور لا تهدد العمليات الانسانية فحسب، وانما تهدد نشر القوات الهجين الجديدة في غرب دارفور وكذلك البحث عن التسوية السياسية). هذا التصريح يحسب للقوات الهجين وعليها، في آن واحد. حين يقول الناطق ان المعارك بين الاطراف المتصارعة في غرب دارفور تعوق العمليات الانسانية وتحد من فرص تحقيق الحل السياسي، مجملا ، ينال قوله هذا قدرا وافرا من الاستحسان، وينظر اليه في اتساق مع منطق الاشياء، فمن الطبيعي ان يوقف التدهور الامني النشاط الانساني في الاقللم، وهو نشاط تقوم به منظمات انسانية محلية ودولية، ومن المسلمات ان يقطع التدهور الامني اي خيوط نسجت على طريق الحل السياسي: خيوط سرت المتعثرة، مثلا. ولكن عندما تقول الهجين ان العمليات العسكرية في غرب دارفور تعوق نشرها في الاقليم، فلن ينال القول ذرة استحسان من المراقبين، ولا يجدون عقلاً يفهمون به هذا التصريح، إلاَّ اذا كانوا على يقين مسبق ان هذه القوات جاءت في نزهة الى دارفور لنيل قسط من الراحة والقيام برحلات سياحية الى جبل مرة لتقتطف زهرة، وتملأ عيونها بالخضرة، قبل ان تعود الى بلادها بذكريات جميلة، وفوح زهر اجمل. قوات الهجين لم تأت الى دارفور عرضا، او من باب الترف: تبديل قوات بأخرى فقط، ولكنها اتت بعد أن رفعت القوات الافريقية، التي نشرت منذ العام 2004 في الاقليم في مهمة تقتصر فقط على مراقبة وقف اطلاق النار، رايتها البيضاء. قالت انها غير قادرة على تهدئة الوضع الامني، وان المهمة الموكلة اليها اكبر منها، بل انها باتت في الآونة الاخيرة، التي سبقت تحويلها الى الهجين، تطلب الحماية من الحكومة. وعلى الاثر لم تتردد في ان تفسح المجال الى القوات الهجين للنهوض بالمهمة. باختصار شديد فان القوات الهجين هي عملية مشتركة افريقية أممية: اي قوات افريقية مهجنة بقوات فنية من دول اخرى، مهمتها حفظ الاسلام في دارفور، وهي مفوضة باستخدام القوة حسب الفصل السابع لميثاق الاممالمتحدة، وأن تتخذ جميع الإجراءات اللازمة في مناطق انتشار قواتها، حسبما تراه في حدود قدراتها، من أجل حماية أفرادها ومرافقها ومنشآتها ومعداتها، وكفالة وضمان وحرية تنقل أفرادها والعاملين في المجال الإنساني التابعين لها، ودعم وتنفيذ اتفاق سلام دارفور في وقت مبكر وعلى نحو فعال، ومنع تعطيل تنفيذه ومنع شن الهجمات المسلحة وحماية المدنيين، دون مساس بمسؤولية حكومة السودان. ومن هنا يصبح من المفهوم ان تشتكي قيادة القوات الهجين من بطء عملية نشر القوات لاسباب تتعلق بقلة الامكانيات، وان تتهم الحكومة - مثلما تفعل المنظمة الدولية - بأن الخرطوم تعرقل عملية نشر القوات، وان تصرخ عاليا في وجه المجتمع الدولي بأنها تريد ان تفعل شيئا على الارض في اطار «اختصاصها»، ولكن الامكانيات تحول دون ذلك. على هذه القوات أن تطالب صباحا ومساء من اتى بها الى فيافي دارفور، ومجاهلها ان يوفر لها المعينات، وتتمثل حسب الخطة المجازة في « 24» مروحية، وتوفير المعدات الخاصة بتجهيز معسكراتها في الاقليم، من اجهزة اتصال، واللوجستيات اليومية بالايفاء بالتزاماتها، ولكن لا يفهم الناس في دارفور و «لا يعقلون»، أي حديث من هذه القوات يفسر بأنها لا تستطيع حتى نشر قواتها الموجودة الآن على الارض في مواقعها بسبب الصدامات بين الاطراف المتصارعة، وهي في الاصل قوات جاءت كي تنجز مهمتها من بين ألسنة النيران وبين طلقة واخرى، وان تقاتل من اجل ان تحمي المدنيين من نيران المعارك هناك او من الذي يسعى للاعتداء عليه في قريته او في مزارعه او مراعيه، وان تقاتل لتحمي نفسها، هي القوة التي تساعد على خلق السلام في دارفور، اي قوات يحتمل وجودها قتل بعض افرادها وجرح البعض الآخر. حتى قبل اسبوع كان الجدل يحتدم بين الحكومة والمنظمة الدولية حول اكمال نشر الهجين، الاخيرة تقول ان الخرطوم «لا تسمح بادخال معدات الهجين»، والاولى ترد انها» اعطت ولم تستبق شيئا»، وتهاجم:ان الكرة في ملعب المجتمع الدولي، وقال الدكتور مطرف صديق، في هذا الخصوص، إن الحكومه «أنجزت ما يليها من تجهيزات وواجبات والتزامات وفق ما تم الاتفاق عليه بين الحكومة والاممالمتحدة والاتحاد الإفريقي» ، وفي قول صديق وجاهة، تعززها تصريحات للأمين العام للأمم المتحدة مون: « أنه لم تتوافر طائرات مروحية كافية للعملية». والخرطوم ليست الجهة التي توفر الطائرات، هي التي تسمح بدخول الطائرات، وقد فعلت.المهم خلص الجدل، على ما بدا، الى اتفاق على عقد اجتماع في اديس أبابا بين الاطراف المعنية «لدراسة تفاصيل تطبيق العملية الهجين على الأرض ولمعالجة التعقيدات والخلافات التي قد تنشأ بين الفينة والأخرى». وقد ينجح الاجتماع في حلحلة لوجستيات الهجين، ولكن من سيجتمع مع من في مقبل الايام، لانهاء ازمة القوات الهجين المتمثلة في ان « التصعيد العسكري في الاقليم يهدد نشرها»، بمعنى آخر: من الذي يفرش لهذه القوات البساط الاحمر، وينثر على قوافلها الورد والعطر أثناء انتشارها في مواقعها في الولايات الثلاث؟! تحركات المبعوثين يان الياسون وسالم احمد سالم الاخيرة من اجل تسريع الجولة الثانية لسرت، أكدت للرجلين أنه من الصعب الدخول في الجولة قبل نشر الهجين بصورة معتبرة في الاقليم. يقول عبد الواحد ان نشر الهجين بصورة كاملة يسهم في العملية السياسية لحل المشكلة، فيما يقول الدكتور خليل ان نشر تلك القوات مهم للعملية السياسية ولحماية المدنيين، وعلى النسق جرى اتفاق بين الوسيطين و الحكومة على «أن التسريع بنشر الهجين سينعكس إيجابا على الجو السياسي العام في المفاوضات وفي الأوضاع على الأرض»، حسب تصريحات الناطق باسم الخارجية.. اذاً الهجين أولاً، ثم الخطوات التالية، وهذا يفرض على المسؤولين عن الهجين حديثاً يؤكد جدارتهم واصرارهم على القيام بالمهمة الصعبة. لا بأس ان جاء الحديث مرفقا باستدراكات، اما ان يشكوا من عدم القدرة على الانتشار بسبب التصعيد العسكري في الاقليم، فهذا بمثابة اعلان مبكر للفشل، يجعل من عملية استبدال القوات الافريقية بالقوات الهجين مثل أحمد بحاج أحمد. لا جديد، وبالتالي: لا فائدة ولن تنتهي التعاسة هناك!