أضحت الثقة هى الحلقة المفقودة بين مسلسل علاقة الحكومة بقيادات العملية الهجين، خاصة بعد تفجر إتهامات الافشال بين الطرفين. وتتنامى العقبات والمشاكل يوماً بعد يوم، بشكل يجعل الكثيرين يشككون فى نجاح العملية الهجين منذ الآن، فالاممالمتحدة تنظر الى اليونميد «الإسم اللاتيني» باعتبارها أكبر عملية لحفظ السلام فى العالم، الامر الذى يجعل تقديراتها لتكلفة العام الواحد تقفز الى بليون و «480» مليون دولار.لتشمل بناء وتشغيل المطارات، وتوفير التموين والدعم اللوجستي والفني للقوات، إضافة الى المعدات الاسنادية والهندسية وجوانب الاتصالات. وتكمن الازمة الثانية في أن الدول الأوربية تبدو زاهدة حتى الآن في دعم العملية بعد التمسك بأفريقية القوات المشاركة. كما أن الاتهامات الاخيرة لرئيس عمليات حفظ السلام بالاممالمتحدة جان ماري جيهينو للحكومة بوضع عراقيل أمام نشر القوات الهجين بدارفور، عبر جملة من العقبات إلادارية، أشعلت الموقف، وحركت مخاوف الحكومة فى نوايا القوات الهجين، وجعلتها ترد الاتهامات بأشد منها. ويرى جيهينو (أن الحكومة السودانية تستخدم عقبات ادارية تتمثل في عدم تحديد للأرض التي تتمركز فيها القوة، والقيود التي تفرضها على الطائرات. حيث لم يتم منح التصريح لنشر ست طائرات هيلكوبتر في الفاشر، إضافة إلى حظر الطيران الليلي على القوات، كما أنه لم تخصص أراضٍ في الجنينة وزالنجي، وعطلت الإفراج عن معدات الاتصالات)، مشيراً إلى طلب السودان بوضع ميثاق مشترك في الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي لتوضيح اتصالات وحركة الأفراد والقوات بالإقليم، الأمر الذي يعد غير عملي لأنه يمكن الحكومة السودانية من تعطيل الاتصالات متى أرادت. ولا تنتهى مشاكل أو عقبات الهجين عند هذا الحد ، فبعض المحللين يلفتون الانتباه الى ان نشر اليونميد سيصطدم بتحديات جوهرية في محورين أساسيين: هما تزويدها بالرجال والعتاد، والتوصل الى اتفاق نهائي حول تركيبتها. وتشير التقديرات الى أن بعثة الهجين بحاجة ماسة الى وسائل دعم لوجستي وتقنى،وتقف على قائمة تلك المطالب «18» مروحية نقل وست مروحيات قتالية. من جانبها شنت الحكومة عبر (رأس حربتها) فى الديبلوماسية رئيس بعثة السودان في الاممالمتحدة عبد المحمود عبد الحليم، هجوما حمل ردا على جيهينو ..وقال عبد الحليم : إن تلك الامور ليست سوى مشاكل ادارية ويجب ان لا يبالغ بحجمها او اهميتها، وأكد ان المنظمة الدولية تريد ان تتخذ من السودان شماعة أو حائطا قصيرا لمداراة فشلها. والتغطية على فساد وتجاوزات في منح شركات امريكية، عقودات تتعلق بالقوة الهجين بمئات الملايين من الدولارات، حيث وقعت احدى هذه الشركات عقدا قيمته «250» مليون دولار دون دخول عطاءات تنافسية). وفى ذات السياق أكد السمانى الوسيلة أن لدى الحكومة تحفظات على بعض الدول التى تم ادراجها حديثاً دون الرجوع لها خاصة فى الجانب الهندسى. وأضاف أن الجهود التى قامت بها الحكومة والتسهيلات المتعلقة بمنح (يونميد) اراضٍ لتشييد القطاعات فى ولايات دارفور الثلاث للعملية المشتركة، والسعى لإكمال القطاعات الفرعية، إضافة لتوقيع اتفاق وضع القوات الذى ما زالت المشاورات فيه جارية عبر الآلية الثلاثية المشتركة. ومضى الوسيلة فى توضيح مجهودات الحكومة من أجل تسهيل عمل دخول الهجين بالمصادقة بدخول (1200) حاوية تتبع ل (يونميد) واكثر من (400) سيارة ، و الافراج عن أجهزة الاتصال التابعة للعملية بعد التحقق منها. وترى بعض المصادر الديبلوماسية تحدثت ل (الرأي العام) إن المشكلة في التعامل مع الأممالمتحدة فيما يتعلق بعمليات الهجين تتمثل في توجهات ونوايا رئيس قوة حفظ السلام جيهينو. .وذهبت ذات الجهات الى التشكيك فى مقدرات إدارة حفظ السلام على إدارة هذه العملية بشكل جيد. غير أن القائد العسكرى لليونميد الجنرال مارتن لوثر اغواي لا يتفاءل كثيراً،فى ظل وضع معقد (جيوبلتيكيا) واعتبر انه ليس من الحكمة رفع سقف التوقعات الايجابية في هذا الاقليم .ونبه اغواي الى ان الضعف الشديد في البنيات التحتية بالاقليم، سيكون عائقا امام تسهيل تشكيل واعداد قوة كبيرة كهذه مفسرا ضرورة تعبئة إمكانيات لوجستية استثنائية بالظروف الطبيعية الخاصة بدارفور، مشيرا بالأخص إلى الموارد المحدودة من المياه في الإقليم. ولا يختلف رأى الخبراء العسكريين الذين تحدثوا ل «الرأي العام» مع اقواي في هذا الخصوص حيث رأوا ضرورة ضمان تحرك ورد فعل فعال للقوات الهجين، وهو ما جعل اقواي يدعو دول الاتحاد الأوروبي لتزويد هذه القوة بطائرات مروحية للتكتيك العسكري، موضحا أن الطائرات المدنية ليست ملائمة لمثل هذا النوع من الميادين خاصة بعد تهديدات تنظيم القاعدة،و بعض حركات دارفور المسلحة. وامتدت خلافات الحكومة مع الهجين حتى وصلت لنوعية الزي، فالحكومة طلبت أن يتوحّد زي الهجين مع ذلك الخاص بقوات الاتحاد الأفريقي على أن يكون لون القبعات باللون الأزرق الخاص بالأممالمتحدة. الا ان الامر لم ينل أستحسان الهجين. غير أن الايام الاخيرة شهدت تطورات ايجابية فى العلاقة بين قيادة الهجين والحكومة السودانية بعد تصريح جردون جوندرو المتحدث بإسم مجلس الأمن القومى الأمريكى -الجمعة الماضية- بأن الادارة الامريكية ترى أن إنجاح الهجين يظل فى أولوياتها. كما أن الرئيس بوش وافق على نقل «34» مخيماً للقوات الهجين،اعتبارا من الأول من يناير العام القادم مزوداً بوسائل الإتصالات والأصول التابعة لها، التى تقدر بحوالى «40» مليون دولار. وفى ذات السياق جاءت تصريحات وزياًر الدفاع النرويجي أسبين بورث -السبت الماضى-على أن بلاده لن تمارس ضغطاً على السودان للقبول بمشاركة قوات نرويجية في العملية الهجين (يونميد) وتأتي هذه التصريحات قاصرة على إدعاءات سابقة للحكومة النرويجية بأنها «بذلت مالاً ووقتاً في التحضير لإرسال قواتها ضمن العملية الهجين». وتبدو دعوة جيهينو للامم المتحدة للبحث في جدوى خيار سحب القوات من الاقليم في ظل هذه الظروف البالغة التعقيد، رغم اقتناعه بأن ذلك سيضع المجتمع الدولي أمام خيارات صعبة، الا ان (يونميد) حسب ظنه لا تستطيع الدفاع عن نفسها، كما أن الامر سيكون مخاطرة بإهانة سمعة مجلس الامن والاممالمتحدة، وأحباطاً لسكان دارفور.