بعد النهاية غير المتوقعة لمظاهرة أحزاب مؤتمر جوبا يوم الاثنين الماضي انطلقت إشاعة قوية تقول إن المظاهرة ستتجدد صباح الخميس، وفي يوم الخميس بدأ الحديث عن موعد آخر. لكن الشاهد في كل ذلك أن خطة الحكم في امتصاص حماس قيادة المظاهرة قد نجحت لحد كبير. الحديث عن امتصاص حماس قيادة المظاهرة قد لا يعني امتصاص حماس باقان أموم وياسر عرمان باعتبارهما المحركين الأساسيين بل يعني حفر أخدود بين مستوى حماس القائدين وحماس الجماهير التي ستنطلق خلفهما. اعلامياً تعتبر الحركة الشعبية متفوقة على من حولها من الأحزاب. ولكن السؤال هو : هل عمل الحزب يعتمد في الأساس على التنظيم المحكم أم على الاعلام؟. الإجابة البسيطة تقول إن كلا العاملين مهم في ترتيب أمور الحزب، ولكنها إجابة لا تشفي الغليل. إذا اعتمد الحزب نظاما إعلاميا أكبر من قدرته التنظيمية فإنه يجني على الحزب، وهذا ما حدث في مظاهرة الاثنين. الحديث عن المظاهرة ونتائجها والانقلاب الذي ستحدثه في السياسة السودانية طغى على كل شيء .. طغى حتى على تنظيم خطوات المظاهرة. ثورة أكتوبر كانت بالنسبة للقيادة مثالا. فالثورة لم تستأذن أحدا في تسيير موكبها الأول ولا في مواكبها اللاحقة، بل انطلقت بشكل عفوي أكثر منها بشكل منظم. وحتى محاولات التنظيم التي حاولها البعض كانت تلهث خلف خطوات الثورة التلقائية المتلاحقة. التنظيم في معظم الأحوال يحد من تلقائية حركة الثورة، خاصة إذا كان المخطط للثورة هو الذي ينفذها على الأرض. ولذلك بدت قيادة المظاهرة وكأنها تلهث وراء انفعالاتها الخاصة. قيادة المظاهرة تلهث وراء احتكاكات الشارع، ولذلك ترى وتحس بما لا تحس به قيادة الحركة الشعبية في جوبا. ولذلك كان سلوك قيادة الحركة وهي على ذلك البعد أهدأ بكثير، وكانت أقل انفعالا بما يجري في شوارع الخرطوم. كانت ترى أخطاء الحماس والانفعالات بشكل أوضح، ولذلك طالبت بضبط النفس. وضبط النفس هنا يعني بالنسبة للخرطوم ألا تجد السير في الجوانب القانونية كما عبر عن ذلك تصريح والي الخرطوم، وهو فتح بلاغات ضد المعتقلين إذا رأت النيابات التي تحقق مع منظمي المظاهرة ما يوجب ذلك، وبالنسبة لباقان وعرمان أن يهدئا اللعب، وتهدئة اللعب تعني أحد أمرين : إما أن يوقفوا المظاهرات، وإذا كان لا بد أن تخرج فلتخرج بشكل آخر غير مصادم. وبعد .. الاتجاه يسير نحو التهدئة، لكن ماذا بعد التهدئة؟، وهل ستنتهى لعبة المظاهرات غير المحسوبة بغير حساب؟.