تشبث بيديه الصغيرتين على الحائط.. قبل أن يمد رأسه ويراقب ما يدور داخل الحوش المتسع.. تنقلت عيناه اللتين أرهقهما السهر بين الأجساد المتكدسة على الأسرة بحثاً عن جسد والده.. دقائق مرت قبل أن يدفع بجسده النحيل لأعلى. غير آبه بالتصاق لون الحائط البالي على بنطاله الأسود.. فهمه في الوصول الى فراشه دون أن ينتبه إليه أحد، كان أكبر من كل شيء .. و.. «حراامي».. انتفض جسده في هلع.. وذلك الرجل العابر للشارع يركض نحوه في سرعة.. مكرراً نداءه الاستغاثي المخيف.. أصابته الحيرة.. فقد أصبح معلقاً كما جسده بين مطرقة ذلك الرجل الذي ظنه لصاً.. وبين سندان والده الذي لا يرحم.. أغمض عينيه.. وقفز للحوش في سرعة.. محدثاً جلبة اكثر من الطرق الذي أحدثه ذلك الرجل على الباب.. حاول أن يركض نحو فراشه لكن قبضة والده كانت أسرع ليمسكه من تلابيبه قبل أن ينفث أنفاسه الحارة في وجهه وهو يقول في غضب:- (فضحتني يا ابن ال....) ويهوي على وجهه بصفعة ألقته بين قدمي والدته التي راحت تتوسل لزوجها أن ينتظر حتى الصباح ليعاقبه.. على سهره في احدى الحفلات.. وعودته للمنزل عبر الحائط بعد أن أغلق والده الباب بالمفتاح.. الأبناء.. العودة للمنزل عبر قفز الحائط.. جزئية مهمة ومثيرة تشهدها البيوت السودانية.. ولعلها وسيلة يرمى منها رب الاسرة لتأديب ابنائه وتحذيرهم من الاسترسال في سهرات ليلة تستمر حتى صباح اليوم التالي.. لكن من هو المسئول عن تلك العودة الاقتحامية.. الأسرة ؟؟ أم المجتمع.. أم الابن الذي يلقي بكراسته واقلامه ويهرب للشارع بحثاً عن وقت لقضاء لحظات ترفيه ربما تكون وبالاً عليه وعلى تحصيله الاكاديمي.. «محمد البشير» استاذ المرحلة الثانوية حمَّل «الاسرة» المسئولية الكاملة في توجهات ابنائها.. واصفاً دورها ب «الاساسي» في تكوين اتجاهات الابن.. وأضاف أن عودة الابن عبر القفز من الحائط تمثل بصمة سوداء في كتاب رب الأسرة.. خصوصاً اذا شاهده أي من الجيران ويرفض تماماً «البشير» أن تعالج قضية سهر الابناء بتلك الطريقة البدائية.. لانها ربما تجعلهم يتوجهون للسرقة بعد أن خبروا القفز على الحائط والتي يعتبرها اللصوص أنفسهم أخطر خطوة في عالم السرقة.. «الوضاح البشرى» إحد الشباب الذين عادوا لمنزلهم من خلال الحائط.. في عدد من المرات.. يقول أن تلك العودة كانت سبباً في تركه للسهر نهائياً.. بعد أن سقط يوم من على الحائط مما تسبب له بكسر في ساقه.. ويضيف: (مثلت لي تلك القصة توبة نصوحة من ارتياد الحفلات التي كنت مدمناً عليها.. وحتى الآن اصبحت زاهداً في ارتيادها.. برغم إصراره على أن المشكلة لا يمكن أن تحل بتلك الطريقة.. وان الصدفة لعبت دورها في إثنائه عن ممارسته.. ويعتبر «جمال أسماعيل» رب أسرة.. أن سهر الابناء يعود لغياب الرقيب في المنزل.. وان كثيراً من الابناء يعتادون على السهر وتمضية ساعات الليل بسبب ضعف الرقابة عليهم.. وقال: «انا شخصياً لدي ولدان.. يدرس احدهما بالجامعة.. ولم يحدث قط أن عاد أحدهما للمنزل عبر تسلق الحائط.. ليس لأنني صارم أو حازم في التعامل معهم.. بل لأنني كنت لصيقاً جداً بهما في كل فترات حياتهما.. خصوصاً فترة المراهقة التي تفرز كل هذه الجوانب السالبة. عدد من أولياء امور الطلاب بالمدارس الثانوية.. اكدوا ان السهر يدفع الابن نحو منزلقات خطيرة.. ابرزها وأخطرها الادمان وتعاطي المخدرات.. خصوصاً في الحفلات واوصى بعضهم بتكثيف الرقابة الاسرية على الأبناء وتحديداً في فترة المراهقة لضمان عدم انحرافهم عن المسار الذي تخطه الأسرة.. ويعلق بعض الآباء جزءاً من المسئولية على الأمهات.. اللائي تتستر بعضهن على عودة الأبناء في ساعات متأخرة للمنزل.. محدثة بذلك ثقباً كبيراً في التربية السليمة للابناء.. الباحث الاجتماعي «محمد الخليل أحمد» يعتقد أن للمجتمع دوراً كبيراً يلعبه في تكوين شخصية الابن.. وان الاسرة تعزز ذلك الدور بالرعاية والاهتمام بالابناء.. واوصى الاسر أن تكون أكثر التصاقاً بالابناء تحديداً الذين وصفهم بالصعوبة في التربية.. خاصة في فترات المراهقة.. التي تمنح المراهق شعوراً بالرجولة.. وتدفعه لإحداث تصرفات لاثبات ذلك وإن كانت خاطئة.