سجلات الشرطة على طول وعرض أيّامنا السياسيّة مفعمة بالوقائع الملتهبة بين الشرطة والمتظاهرين, فهى زاخرة بالهراوات والبلاغات والإحتجازات والتحرّيات... لكنّها من ناحية أخرى زاخرة بالوقائع الطريفة والنوادر التى تتناقلها أجيال المتظاهرين والمتظاهرات, الأحياء منهم والأموات! من بين تلك النوادر أنّه ذات تظاهرة طلابية خرجت فيها جامعات العاصمة الثلاثة فى العهد المايوى... وكانت البارات فى تلك الأيام مفتوحة لا ترد الطالبين... وفى تلك المظاهرة التى نظّمها الاتجاه الاسلامى بالجامعات تواجهت المظاهرة والشرطة فانفضّت... وطاردت الشرطة طالبا من عناصر الإتجاه الاسلامى حتى اضطر للجوء الى أحد البارات... ولمّا لم يكن يعلم (بالإجراءات) داخل البار, جلس على الكرسي وضرب يديه ببعضهما مخاطبا النادل: هات واحد خَمْرَة! ثقافة حقوق الانسان ارتادت الأندية والمجالس والحلقات بما فيها وزارة الداخليّة... ولذلك تطوّر الأداء الشُرَطى لحد كبير وصار يعرف الفرق بين زمنين... فقبل إنتعاش ثقافة حقوق الإنسان كان المعتقل يُضْرب ويُشْحن فى (الكومر) ويُحْشر داخل الحراسة مع الجنائيّين ثم فى اليوم التالى ربما يسألونه عن إسمه وإسم أمّه وأبيه وفصيلته التى تُؤوِيه! فى المسيرة الاخيرة التى اختارت أمدرمان عنوانا لها انتشرت الشرطة فى المنطقة والمناطق المجاورة وأظهرت عضلاتها لكنّها لم تستخدم هذه العضلات... كانت الشرطة قوّة فى الصورة العامة للإحتشاد لكنّها كانت أقرب للقوّة (الناعمة)! على مدار ثلاثة أيّام متتالية اندلعت فى شوارع مدينة كوبنهاجن عاصمة الدنمارك سلسلة من التظاهرات وذلك بمناسبة إنعقاد قمّة الأرض... تظاهروا إحتجاجا على ارتفاع درجة حرارة الأرض وانبعاث الغازات... سيطرت الشرطة على مسارات التظاهرات وواجهتها بعنف قانونى... واعتقلت منهم ألفاً! اعتقلت الشرطة الدنماركيّة ألفا من المتظاهرين لاحتجاجهم على مؤتمر المناخ العالمى وتلوّث البيئة... وفى امدرمان تظاهر البعض فارتفعت درجة الحرارة الثوريّة وتلوّثت البيئة السياسيّة ومع ذلك كان الاعتقال بالحساب العددى صِفرا! تهنئة للشرطة السودانيّة على الصورة التى ظهرت بها مقارنة بالشرطة الدنماركيّة... وهو تطوّر ينبغى أن يُشهد له... آملين فى يوم تقترب فيه الشرطة السودانيّة من موكب للمتظاهرين فتخاطبه: أرجو أن تسمحوا لنا بإعتقالكم!!