اعادت العقوبات التى أقرَّها مجلس الأمن الدولي على أريتريا بسبب ما أسماه (دعمها للمسلحين الإسلاميين في الصومال)، والتى تتمثل فى حظر على الأسلحة والسفر وحركة الأرصدة المالية وتنقلات بعض الأفراد، اعادت فتح ملف النفوذ الامريكى فى القرن الافريقى، لان الولاياتالمتحدة هى الداعم الرئيس لهذه العقوبات التى بحسب عدد من المراقبين تخدم مصالحها فى المنطقة، ويبدو المنطق الامريكى فى ظاهره حريصا على امن واستقرار الصومال وفى باطنه محاولة لشطر القرن الافريقى الى دول حليفة للولايات المتحدة واخرى فى الطرف الآخر، وهو ما سيقود فى النهاية الى فوضى شاملة فى المنطقة بعكس الاهداف المعلنة ، ويتجلى التناقض الامريكى فى موقفها الداعم للقوات الاثيوبية التى تدخلت فى الصومال العام 2006، وفرضها عقوبات فى الوقت الراهن على اريتريا بحجة دعمها للاسلاميين فى الصومال، وينظر الى العقوبات الراهنة من مجلس الامن ومحاولات عزل اريتريا من محيطها الاقليمى من قبل المراقبين لشئون القرن الافريقى بأنها تستبطن دعما غربيا لاثيوبيا فى صراعها مع اريتريا لاسيما واديس ابابا اول من ايد العقوبات على اسمرا و قالت - على لسان الناطق باسم الحكومة- إن الحظر والعقوبات عادلة ومناسبة. وهذا التناقض الامريكى يدعم الموقف الاريترى الرافض للعقوبات التى يعتبرها محض اكاذيب ملفقة من المخابرات الامريكية وحذرت من مغبة تداعيات هذا القرار الذى يمكن ان يدخل منطقة القرن الافريقى في دورة أخرى من الصراع، وتتطابق الرؤية الاريترية مع دول مجموعة الساحل والصحراء التى اصدرت بياناً نشر نصه بموقع شابيات دوت كووم الاخبارى الرسمى التابع لوزارة الاعلام الاريترية يرفض العقوبات ويقول ان هناك قوى خارجية تسعى الى زعزعة الاستقرار بالقرن الافريقى لخدمة اجندتها الاقتصادية والسياسية. قرارمجلس الامن يطالب أريتريا ب «وقف تسليح وتدريب وتجهيز المجموعات المسلحة وأفرادها، بمن فيهم حركة الشباب التي تهدد بزعزعة أمن واستقرار المنطقة برمتها.»وجاء في نص القرار أن «أعمال أريتريا التي تقوِّض جهود السلام والمصالحة في الصومال، وكذلك النزاع بين جيبوتي وأريتريا يمثلان تهديدا للسلام والأمن الدوليين». والسؤال كيف ستواجه اريتريا هذه العقوبات رغم التقليل من شأنها والاستشهاد بعقوبات مماثلة فرضتها الولاياتالمتحدة منفردة او من خلال الاممالمتحدة ضد ايران والسودان وسوريا وكوريا الشمالية ، ربما كانت الاجابة فى ثنايا مؤتمر صحفى يتحدث فيه الرئيس الاريترى اسياس افورقى لوسائل الاعلام المحلية بمناسبة السنة الميلادية الجديدة ، موقع وزارة الاعلام الاريترية الذى نشر هذا التنويه لوسائل الاعلام المحلية لم يحدد زمان المؤتمر الصحفى ولكنه حدد موضوعه الرئيس وهو استراتيجية التعامل مع قرار مجلس الامن الاخير. ويبدو ان اسمرا تدرك بأن المعركة القادمة مع الغرب ساحتها وسائل الاعلام ، فبعد ساعات من صدور قرار مجلس الامن قدمت الماظ جبرا مالك استاذة الادب واللغات بكلية ميا نفى محاضرة للعاملين بوزارة الاعلام الاريترية بعنوان :وسائل الاعلام الغربية والقارة الافريقية, خلصت خلالها ان التغطية الغربية لاخبار القارة الافريقية سالبة وان وسائل الإعلام الغربية تواصل نشر المعلومات المشوهة التي تقوض ثقافة غنية وتاريخ وإنجازات التنمية في القارة الأفريقية، وتسعى الى تنميط هذه الصورالشائهة من خلال حملات تشهير تستهدف استنزاف الأدمغة والمثقفين الأفارقة الشبان وترغيبهم فى الهجرة إلى البلدان الغربية ، وبالتالي عرقلة الجهود الرامية إلى تحقيق التنمية في أفريقيا وان تصبح شعوبها مكتفية ذاتيا. ولكن المراقب لتعقيدات وتطورات الازمة الصومالية ، لا يتفاءل كثيراً بأن القرار الذى حمل الرقم 1907، بغض النظر عن مشروعيته او عدمها يمكن ان يحقق نتائج ملموسة على الارض ، وبالتالى يمكن النظر من جهة اخرى الى القرار بانه محاولة من الولاياتالمتحدة لتحميل الطرف الاريترى الفشل فى تثبيت الحكومة الصومالية الانتقالية التى تحظى بتأييد الولاياتالمتحدةوالاممالمتحدة ، وفشل قوات الاتحاد الافريقى التى تشارك فيها يوغندا بالعدد الاكبر من الجنود ، وهى التى تقدمت الى مجلس الامن بمشروع القرار ، وبالتالى يبقى من غير المنطق اتهام اريتريا وحدها بزعزعة استقرار الصومال وجميع الجوار الصومالى مفتوح على الازمة ومساهم بشكل او آخر فى تأجيج نيرانها ، كما ن السماوات المفتوحة والسواحل التى يهيمن عليها القراصنة الصوماليون جعلت الباب مفتوحا لكل القوى فى العالم لتدخل فى الصومال، فدم الصومال مفرق على القبائل ومن يريد حلاً للازمة الصومالية عليه ان يتمتع برؤية شاملة للازمة ولكن انصاف الحلول ومحاولات استغلال ازمة الصومال لتصفية حسابات دولية واقليمية لن تزيد الوضع فى الصومال إلا تعقيداً جديداً وتنقل ألسنة اللهب الى الجوار الصومالى مما يشعل المنطقة بأسرها.