مدخل: إن مشيت على شارع لا يؤدي الى الهاوية قل لجامعي القمامة: شكراً !! محمود درويش «1» الخروج من الصحيفة «في الساعات الأولى للفجر» يجعلك تستشعر كيف ان الصحافة مهنة للمتاعب، كما ويجعلك على مقربة لدرجة تكاد تلمس معها إحساس الجمال الذي يكتسي الخرطوم ب «الليل» تماماً كما الأغنية. الخرطوم تخلو ليلاً سوى من بعض رجالات الشرطة وهم يبسطون يد الأمن، وندرة من الآرقين الجائلين بلا هدف في معظم الأوقات، فضلاً عن وظائف تفرض تواجدك في تلك الساعات، وسيارات تكنس شوارع الخرطوم جيئة وذهاباً، وعمال نظافة يتبادلون الأنس والضحكات وكنس الإسفلت والأسواق بزي برتقالي فاقع لونه يسر «الجائلين». «2» اللعنات والسباب التي تعلكها ألسنة المارة طوال النهار التالي عن «وسخ وقرف» الخرطوم وفي أحسن الحالات مقاربة العاصمة بنظيراتها الأجنبية في درجات الأناقة والنظافة يجعل ممتهني السهر يهزون رأسهم أسفاً ومن ثم يرددون «أنهم لا يعلمون». الخرطوم والنظافة معادلة تحتاج لتكتمل «وللأسف» الى عدم وجود بشر!! أو تحتاج لسنوات من الرقي والتطور بإنسانها ليستشعر معنى النظافة كمبدأ قيمي هو الى الآن «مفقود.. مفقود.. مفقود». «3» مؤلم أن نستلم الخرطوم صباحاً كمقولة الأزهري «على صحن من صيني لا شق ولا طق» ونحيلها في لحظات قليلة الى تلة من الخراب نجلس براحة على تلها. مؤلم أن تكون ذهنيتنا ضيقة لدرجة تجعلنا نستصعب إحتمال أن تكون عاصمتنا نظيفة، وتستسهل في المقابل هضم سهر وكد هؤلاء العاملين على نظافة مدينتنا ببساطة مؤلمة بأن نلعنهم بدلاً أن نعلق على صدورهم النياشين. الأكثر مبعثاً للألم هو ترفعنا الزائف عن أصحاب مهن الهامش الذين فضلوا الإنخراط ضمن متن آلة العمل فيما نتوكأ على شهاداتنا الجامعية التي نخرتها دابة الأرض والعطالة. «4» الى المهملين من جامعي القمامة في بلادي، إذا أردتم الإنصاف لتتغيبوا عن أداء أعمالكم ولو ليوم مؤكد ستخرج الخرطوم عن بكرة أبيها لتردد «نفتقد البدر.. نفتقد البدر». جامعي القمامة في بلادي: لكم وأنتم تتبادلون الالفة والضحكات لجعل الخرطوم أنظف.. شكراً.