فى زمن مضى كانت تعترضنا على الطرقات العامة لوحات تحول بيننا ومواصلة السير, تحدّثنا بلهجة آمرة: قف للتفتيش! فى طرق السفر الداخلى كانت تواجهنا ونحن نتحرّك داخل أراضى دولة المواطنة مجموعة ترتدى الكاكى تأمر السائق بإنزال حقائب المسافرين لتفتيشها, جمارك على الطريق يخفض فيها المواطن رأسه ليفتح حقيبته دون نقاش لينبش المفتّش محتوياتها... تقف فيها البصّات السفريّة وقتا بكون كافياً للتفتيش ولإنفراد المسافرين بمثاناتهم, وربما أداء صلاة الخوف... ومع الايام تطوّرت نقاط التفتيش هذه (بعبقريّة) السودانيّين إلى أسواق... بل أخذ بعضها اسم سوق التفتيش! الإنسان السودانى بتكوينه لا يحب أن يحول بينه وبين حركته حائل بشرى أو حائط صد... ولذلك فقد كان ما بين السودانى ونقاط التفتيش مثلما هو بين جورج غيلاوى ومعبر رفح... لكن مع تطوّر تقنية التفتيش هانت الصور التذكاريّة لنقاط التفتيش تلك وأيامها... وتحديدا حين ظهر التفتيش الذاتى! التفتيش الذاتى هو أن يخضع كل عابر ذكر أو أنثى فى بعض المطارات لتفتيشه حول خريطة تضاريس جسمه المنحنى منه والمستقيم والصاعد والهابط... ولا ينتهى التفتيش إلا بعد خلع المسافر لحذائه... وقد صبر عليها المسافرون السودانيّون فقد عدّوها ضريبة لسفر فيه سبعة فوائد... فما يكون التفتيش الذاتى مقابل سِعر الفائدة للسفر! حتى جئنا للحالة الامريكيةالجديدة التى سيخضع فيها السودانيّون المسافرون مع آخرين للتفتيش الالكترونى... عصا الكترونيّة شفافة تلتصق بالجسم لتسرح وتمرح وتعبث فى كل الفتحات وكل الشقوق بحثاّ عن مصدر ارهاب... سيمر الجهاز على أجسام السودانيّين والسودانيّات بكل شفافيّة لا فرق فى ذلك بين مؤتمر وطنى وحركة شعبيّة! لو جُمعت كل سجلات الارهاب وبلاغات خطف الطائرات ووثائق نسف القطارات والعمارات ليستخرجوا منها أسماء السودانيّين المشاركين بالفعل أو بالنوم لن يجدوا اسماً لسودانى... ومع عدم وجود السوابق يصرّون على الزج بالسودانيّين ليجعلوه مجرماً أو ليجعلوا وطنه مجرماً! السودانى المسافر بعد الآن الذى ستحكم عليه أقدار السفر بالمرور على المطارات الامريكية أو الأطلسيّة سيترحم على أيام كان يقرأ فيها عبارة حالمة (ناعمة): قف للتفتيش!!