ورحل الحكيم.. حكيم الثورة الفلسطينية وأحد مؤسسي حركة القوميين العرب في عقد الخمسينات ومؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين خلال الستينات.. المناضل الدكتور جورج حبش.. الذي يطلق عليه مناضلو الثورة الفسطينية «الحكيم» نسبة لمهنته كطبيب. تعرفت على المناضل الدكتور جورج حبش في بغداد في نهاية السبعينات.. إذ كان كثير التردد على بغداد العروبة والثورة هو وزميله الراحل وديع حداد ذلك العبقري المدهش، وأجريت معه عدة حوارات نشرت بمجلة الوطن العربي التي كانت تصدر من باريس وعلاقته بها قديمة.. منذ أن أصدر الراحل هشام أبوظهر شقيق الراحل وليد أبوظهر جريدة «المحرر» اللبنانية التي كان معظم كادرها التحريري من أبناء فلسطين.. وعلى رأسهم الشاعر العظيم محمود درويش والكاتب الراحل غسان كنفاني.. ثم بعد إغلاق «المحرر» في بيروت.. هاجر وليد أبوظهر شقيق الراحل هشام الى باريس وأصدر مجلة الوطن العربي.. التي كانت في ذلك الوقت رئة يتنفس من خلالها كل الشرفاء من أبناء الأمة العربية ومناضليها في فلسطين وغيرها من تخوم الوطن الجريح. كان ارتباط الدكتور جورج حبش وجبهته الثورية بالقيادة العراقية وبحزب البعث ارتباطاً نضالياً قوياً.. لا يمر شهر إلا ويطل الحكيم على بغداد.. يتحدث الى أجهزتها الإعلامية ويلتقي بصحافييها عراقيين وعرباً. لقد كان الدكتور جورج حبش من الشخصيات التاريخية في مسيرة الفكر القومي العربي الاشتراكي وبداية رفع الثورة الفلسطينية لشعار الكفاح المسلح نظرية وتطبيقياً. والدكتور جورج حبش اختار أخيراً الأردن مقراً له، وهو موطن زوجته.. وعاش مثلها في كل دول الشتات الفلسطيني. وقبل أكثر من خمسة عشر عاماً أصيب الدكتور جورج حبش بجلطة.. شلته شللاً نصفياً. وكان الدكتور جورج حبش من أهم عناصر الحراك السياسي والنضالي الفلسطيني، وشكل مع الراحل المناضل وديع حداد ثنائىاً خطيراً خطط لخطف الطائرات، الأمر الذي أزعج الصهاينة وكل الدول الامبريالية وعلى رأسها أمريكا. وكانت أشهر عملياته عملية مطار اللد الإسرائىلي في العام 2791م وتفجير طائرة الخطوط السويسرية العام 0791م. لقد لعب الدكتور جورج حبش دوراً مهماً في تبني الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين للفكر الماركسي اللينيني.. عندما أسس الجبهة العام 7691م مع المناضل مصطفى الزيري «أبوعلي مصطفى» وآخرين، وظل يقود الجبهة من موقع الأمين العام لها حتى العام «0002» ونسبة لمرضه خلفه أبوعلي مصطفى الذي اغتالته الموساد الإسرائىلية. ويعتبر جورج حبش من أقوى وأشرس المعارضين للإتفاقيات المبرمة بين الفلسطينيين والدولة العبرية، وينحدر جورج حبش لعائلة من الروم الأرثوذكس كان يعمل عقب تخرجه في الجامعة الأمريكية في بيروت طبيباً للأطفال بعد أن تخصص فيه.. عمل في مجمعات اللاجئىن الفلسطينيين في بيروت. فجر مع وديع حداد العديد من الطائرات الإسرائىلية وبعض خطوط النفط والغاز وهاجم السفارات الإسرائىلية في عدد من العواصم العربية. يصفه كثيرون بأنه آخر حكماء الثورة الفلسطينية.. وفي قول آخر، آخر عقلائها. التقيته في الجزائر إبان انعقاد الدورة ال «61» للمجلس الوطني الفلسطيني.. جلست معه وكان معي الشاعر محمود درويش والكاتب حميد نعنع.. وطلبت منه موعداً لحداد.. فقال الحكيم: يا صديقي إني اعتذر لسبب بسيط.. وهو أنني الآن أمر بمرحلة خلاف مع بغداد.. وأنت الآن تمثل الصحيفة المركزية لحزب البعث.. وأي تصريح أو مقابلة خاصة للجريدة يمكن ان تفسر من الأعداء تفسيراً خاطئاً بأنني أريد أن أرسل إشارات لقيادة العراق رغم تقديري لها.. وأنا أرغب أن تعود العلاقة بالشكل التدريجي..وتدخل محمود عباس وحميدة نعنع وقالا: يا حكيم القيادة العراقية لا يمكن ان تفهم الحوار فهماً خاطئاً. ولكن أصر الحكيم ان يتوقف عن إرسال أية إشارة الى أن تنقشع سحابة الصيف كما أسماها. بعدها اتيحت لي العام 8891م زيارته في عمان.. وكان لحظتها مريضاً وكانت زيارة للتحية والمجاملة. رحم الله حكيم الثورة الفلسطينية.. وعاش الكفاح المسلح.. والثورة ما زالت مستمرة.