د. محمد المهدي بشرى، ود. عبد الله علي ابراهيم، والروائي أمير تاج السر، والهادي عبد الرازق من هيئة الاذاعة البريطانية، ود. علي شمو، والأستاذ عبد الباري عطوان، ود. خالد فتح الرحمن، ومحمد بن عيسى وزير الخارجية المغربي.. ضم فيلم توثيقي افاداتهم ليس لكونهم مختصين فقط، بل لعلاقات شخصية تجمع بينهم والراحل.. الفيلم المعني هو فيلم (الطيب صالح.. رجل من كرمكول) الذي أنتجته شركة نبتة، وأخرجه سيف الدين حسن، ورعته مؤسسة أروقة للثقافة والفنون.. احتفالية بسيطة في مؤداها، وعميقة في معناها نظمتها مؤسسة (أروقة) منتصف الأسبوع الماضي بدار اتحاد المصارف، وعرضت من خلالها هذا الفيلم التوثيقي لعدد من المهتمين وجمهور عريض ضاقت به جنبات القاعة.. تتبع الفيلم رحلة الطيب صالح من كرمكول الى الخرطوم إلى لندن وطاف معه في مختلف محطاته التي حط رحاله بها، وحاول أن يقدم قراءة لشخصية الأديب المتفرد الطيب صالح، لكن نرى أن اللغة التي استخدمها الفيلم أفردت مساحة واسعة لتجاوز الكثير من المواقف، والتواريخ المهمة في حياة الطيب، اذ أنها اعتمدت الاسلوب الأدبي، واستخدمت لغة شاعرية من الصعب ضبط ما يتعلق بالتوثيق فيها، وتجاوزت الاسلوب العلمي، الذي يناط به التعريف والتوثيق في آن واحد لهذا القامة الأدبية.. ربما هو ذكاء المخرج الذي جعله لا يتوقف كثيراً عند الأحداث، بل يتجاوزها لأخذ المعاني في مسيرة الطيب صالح، لكن وكما قال عدد من المراقبين الذين تحدثوا حول الفيلم، إن التوثيق للطيب لم يكن شاملاً لكثير من جوانب حياته، وكشف الفيلم عن (عورة) الارشفة في السودان، فزيارة الطيب صالح للسودان في العام 5002م ابان فعالية الخرطوم عاصمة الثقافة العربية، لم يضم الفيلم منها لقطة واحدة، وهذا مرده ربما استعجال او محاولة استسهال القائمين على أمر الفيلم، ذلك لأنه حسب افادة الأستاذ عثمان جمال الدين أن هناك كاميرا خصصت للطيب صالح منذ أن وطئت قدماه مطار الخرطوم إلى أن غادرها، وطافت معه مختلف الفعاليات والمدن السودانية.. لكن للأسف الصورة الوحيدة المتحركة للطيب صالح كانت صورة جثمانه وهو يوارى الثرى بمقابر البكري بامدرمان.. وكما قال الأستاذ الناقد السر السيد إن الفيلم تحرك في غالبية ما نعرفه عن الطيب صالح، وقدم الحد الأدنى عن الطيب صالح.. إذن فقد استخدم الفيلم السيناريو النظري، وهو الذي يعرض في سلاسة الأحداث والحقائق التي يجب أن تصور لكي تعطي المعنى الذي يعبر عن الفكرة الاساسية، لذا نجد الخطوط العامة بدون تحديد دقيق لاحجام اللقطات او زوايا الكاميرا، فخلال ترحال الفيلم في المدن التي زارها او اقام بها الطيب صالح، لم تكن هناك لقطة واحدة حقيقية للطيب صالح، بل استخدم سيف الدين صوراً عامة للمدن واستعان بالسيناريو (الراوي) الذي كان نصه المصاحب للصورة يحاول أن يخصص الصورة للطيب صالح. وكان يفترض أن يكون السيناريو تفصيلياً يحدد مكان وزمان الأحداث مع مصاحبة الصورة.. وان كان هذا الافتراض صعباً على اعتبار عدم وجود صور حية للطيب، فكان الأجدى لسيف الدين استخدام القالب الدرامي، وكان عليه تصوير شخص من الخلف أو شخص يمشي بدون أن يظهر وجهه، مما يجعل وقع المشاهد شبه حقيقي، وهو ما كان سيجعل الفيلم أكثر قرباً والتصاقاً من الطيب صالح.. لكن نرى أن ذلك سيكون مكلفاً للغاية، حيث أن الفيلم لم يصور في لندن او باريس او الدوحة او المغرب، وانما تمت الاستعانة بمشاهد جاهزة تمثل هذه المدن.. بل أن بعض المدن التي تناولها الفيلم، لم يجد المخرج سوى لقطات ثابتة تمثلها.. لكن برغم كل ذلك يبقى الفيلم جهداً جيداً ومقدراً على مستوى الكتابة والتصوير والاخراج، يضاف إلى الكثير من الأعمال الجيدة التي قدمها المخرج المتميز سيف الدين حسن، لكنا يجب أن نترك الباب موارباً لتجارب مختلفة تحاول تقديم أفلام عن الطيب صالح في مقبل الأيام، فالطيب يستحق أكثر من ذلك..