في تراصٍ هرمي.. يتهندس «طلح» موسى يحيي في سوق «قنيص» العريق بالروصيرص، فموسى يحيى بإبتسامته الدائمة التي لا يكل منها ولا يمل صار جزءاً من تفاصيل حياة السوق اليومية.. لصدق عرف به في التجارة.. وجودة في أخشاب «طلحه» يقصده أهل البلدة وناس المدن الأخرى لشراء «الطلح» بأوامر من ربات المنازل وأحياناً لطرد البعوض! يقول (موسى) إنه يجلب (الطلح) في شكل كتل خشبية من نواحي الهضبة الاثيوبية، إذ تكثر أشجاره هناك ويقوم بعد وصول شحنته للروصيرص بتقطيعها بمقاسات موزونة ويعبئه في (جوالات) تتراوح الأسعار ما بين «18- 20» ويزداد سعرها في فصل الخريف لوعورة الطريق وتبلل الأشجار بمياه الأمطار وكثرة الحشرات التي يطردها دخان الطلح النافذ النافث. تشكل غابات حلة «هارون» إحتياطياً إساسياً لطلح السودان وتقع قبيل الدمازين، طلحها متاح، رخيص ولكنه ليس كجودة طلح «موسى» القادم من تخوم الحبشة، موسى الطريف يطلق على الطلح مصطلح «النيران الصديقة» فهي النار الوحيدة التي يقبل عليها الآدميون طوعاً وإختياراً! الكشوفات الأثرية في «البجراوية» وجدت أن «الطلح» وأشجاره «السنط» أستخدم في «صهر» الحديد لا «المصاهرات» الإجتماعية، ففي مملكة مروي القديمة الممتدة إلى شمال كردفان «الحرازة» أستخدم سكانها القدامى الطلح في صهر الحديد، أما إستخدامه كنوع من العطر النباتي لترطيب البشرة ولمعانها لدى معشر الأنس، الأناث تحديداً فكان في عصر «مملكة سنار»، فالدراسات التاريخية تفيد أن «الطلح» كان يوقد في المجمعات السكانية لتعطير الجو، فلمحوا لمعاناً يحدثه في البشرة فإستخدمته النساء للتجميل، وكانت إحدى حفيدات المملكة السنارية تقبع في قرية جنوب غرب ودمدني في العام 1853 تقيم «دخاناًِ» مجانياً للعرائس والنساء، هي من أسهمت في انتشار دخانه المعطر في السودان الحديث، ف «البوخة» من بعد قيام من «شملة» تذهب الأملاح والسوائل من تحت الجلد، تسيل عرقاً ولما يهبك نسيم يغلبك النعاس وهي «نظرية طبية» أستفيد منها حديثاً في «الساونا» و«حمام البخار». «النطع» برش الدخان أستخدم في الجزيرة العربية لتنفيذ احكام الاعدام «بين السيف والنطع».. والعرب قديماً يطلقون اسم «عاتكة» ويعني المرأة التي أحمر جلدها من الدخان، ولكن هل هو دخان «طلح»؟.. والطلح يعالج أمراض الرطوبة وآلام المفاصل ويقبل عليه بعض الرجال «سراً» من أجل الشفاء من سقم، بينما في الجهر متاح للنساء المقبلات على عرس أو بعد انجاب.. وغير ذلك لا يستخدم إلا لطرد البعوض والحشرات الضارة!