قبل أربع سنوات انسحبت بعض الفصائل (العربية الإسلامية السنية) من الانتخابات العراقية، وبقيت لمدة أربع سنوات واقفة على الرصيف تتفرج. في الانتخابات التي جرت قبل أيام، قررت هذه الفصائل ألا تكرر التجربة وخاضت المعركة. هذا نموذج لمن يخرج بإرادته من الميدان ويجمد نشاطه السياسي. الحزب الشيوعي السوداني يعرف أنه لن يكون منافسا كبيرا في الانتخابات القادمة لكن لم أقرأ تصريحا لقادته يهددون بعدم المشاركة في الانتخابات إلا ما يرد ضمن التصريحات الجماعية لتجمع أحزاب مؤتمر جوبا. السبب بسيط أن تجربة الحزب الكبيرة في العمل السياسي أقنعته بأن عدم المشاركة تعتبر نقطة سالبة في نضاله. ولذلك سيشارك في الانتخابات، بل وفي انتخابات رئاسة الجمهورية يشارك بمستوى ترشيح أمينه العام. تكنولوجيا الانتخابات تقول إن النجاح في المعركة الانتخابية يقتضي الحصول على عدة مؤهلات : منها دعم حزب قوى، وبرنامج انتخابي مقنع، وعدد من العاملين في خدمة حملة المرشح الانتخابية، وتمويل يكفي للصرف على الحملة، لكن قبل ذلك يقتضي وجود مرشح مقنع يمكن أن تنجذب له الجماهير. فكرة الانسحاب من أي نشاط انتخابي فكرة خاسرة. قبل أيام قرأت تصريحا نقل عن مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية، ياسر عرمان، يقول فيه إنه قرر مقاطعة التلفزيون والاذاعة السودانيتين، لأن المادة الانتخابية لرئيس الجمهورية، وهو مرشح منافس له، تختلط أحيانا بالمادة الخبرية لرئيس الجمهورية كمسئول عن إدارة الدولة. وبذلك يكثر ظهور البشير في الأجهزة الإعلامية بشكل لا يمكن أن يقارن بظهور أي مرشح آخر للرئاسة. وهذا شيء طبيعي لأنه لا يمكن أن توقف أجهزة الاعلام نشر حركة المسئول الأول عن إدارة الدولة بسبب أنه ترشح لرئاسة الجمهورية. هذه واحدة. الأخرى تملأ الملصقات واللوحات الدعائية لمرشح الرئاسة، عمر البشير، شوارع الخرطوم بشكل ربما يفوق الملصقات واللوحات الدعائية لجميع مرشحي الرئاسة. هل يمكن أن يقول أي مرشح آخر إنه سيقاطع السير في شوارع الخرطوم لهذا السبب؟. وبعد .. الفرق بين الجدية في العمل والتهاون فرق كبير. وكذلك الفرق بين من يمهد له حزبه فرصا أوسع للنجاح ومن يعمل داخل حزب لا يوفر له شيئا. هذا الذي تراه قويا اليوم كان في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ضعيفا جدا لدرجة أنه لم يكن يستطيع أن يوفر مرشحين يخوضون معركة الانتخابات البرلمانية باسمه. لكن الكارثة تكمن في أن يتجمع الضعفاء لإضعاف القوي، وكان الأولى بهم أن يتخذوه مثلا، ويبدأون في اعداد أحزابهم لتصبح بعد خمسين أو ستين عاما أقوى مما هي عليه الآن.