كنت على الطائرة السودانية في طريق العودة من دمشق الى الخرطوم عندما فاجأني جاري الشاب الذي كان يطالع عنوان كتابي الجديد «الإنتخابات العامة في السودان: وقائع نوفمبر 3591م وملامح أبريل 0102م»، وعلى الغلاف شيخ قروي امي وقد وضع اصبعه على شعار مرشحه في أول انتخابات عامة أجريت تحت اشراف دولي في نوفمبر 3591م، ان كانت هذه الانتخابات تمت في السودان التي لم يعرف بها ولم يسمع عنها، ثم اقترنت المفاجأة بالدهشة عندما عرفت منه أنه أكاديمي يلقي محاضرات في عدة جامعات بالخرطوم ويشغل وظيفة فنية متقدمة ولم اخف قلقي وانزعاجي وانا اعقب هل هذا معقول؟ واخذت انقل اليه، ان هذه الإنتخابات العامة جاءت بعد توقيع إتفاقية الحكم الذاتي وتقرير مصير السودان التي وقعت بين الحكومتين المصرية والبريطانية في فبراير 3591م بالقاهرة، وجاءت بأول حكومة وطنية منتخبة التي حققت جلاء الجيوش البريطانية من السودان واعلنت استقلاله وسيادته في اول يناير 6591م، وبدأت الحيرة والإهتمام على ملامحه انه طوال سنواته الدراسية والأكاديمية لم يسمع ولم يقرأ ولم يدر مثل هذه الخلفية أو المعلومات لقد كان عاكفاً ومثابراً على دراساته وتخصصه وهو متميز ومتقدم في مجاله. ثم فاجأني مرة اخرى انه وكثير من اصدقائه أو زملائه لم يسجلوا اسماءهم لإنتخابات ابريل 0102م وبالتالي لن يصوتوا، لقد تجاوزوا الثلاثين ولم يعرفوا طريقهم لصندوق الانتخابات! مثل هذه الحقيقة الحادة، تبدو صعبة وتثير الحزن والقلق معاً. معنى هذا انه يتعين في هذه الحملةالإنتخابية الكبيرة والواسعة والمهمة التذكير أو تقديم دروس قصيرة ليس عن سودان 2281 و5881 وانما سودان ما بعد اتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 3591م، وان تبدأ هذه الدروس من مرحلة الاساس الى الثانوية الى قاعات المحاضرات في جامعات ومعاهد السودان، وفي الندوات والمنتديات كافة، ان المناهج السودانية تفتقر لمادة رئيسية حيوية بتاريخ السودان الحديث «3591م» وما بعده ماذا يمكن ان يقال؟