? إتضح جلياً ان غالبية النخبة الجنوبية - سياسيين ومفكرين ومثقفين وكتاب الرأي في الصحف والمواقع الالكترونية - رغم خلافاتهم الحادة في كل شئ سياسياً وفكرياً وقبلياً- تتفق كلها تقريباً على شئ واحد: رفض أي تأجيل لموعد الاستفتاء على تقرير المصير. رئيس حكومة الجنوب سلفاكير اعلن في مناسبات عديدة كان آخرها اجتماع الايقاد في نيروبي- أن تأجيل الاستفتاء يعتبر «خطاً أحمر» ولكن ترك الباب موارباً لتأجيل الانتخابات للمرة الثانية مع أن مثل هذا التأجيل يناقض بنود اتفاقية السلام الشامل. ? أما الجبهة الديمقراطية المتحدة (U D F) فقد أعلنت صراحة ودون لف او دوران انها تدعو للانفصال . فقد قال ماتاشي ناشونا لصحيفة «سيتزين» يوم السبت الماضي (ان الجنوبيين يفضلون الجبهة الديمقراطية، لأننا أعلنا بوضوح اننا نعمل للانفصال الذي تريده الغالبية). بونا ملوال مستشار رئيس الجمهورية لم يقل صراحة ان منبره الديمقراطي لجنوب السودان يدعو للانفصال. ولكن الانفصال وارد بقوة ضمنياً في مقال نشره يوم الاربعاء في الصحف الجنوبية بعنوان «لماذا على الجنوبيين ان يصوتوا لعمر البشير؟ ويقول في بداية مقاله المطول إنه عضو في اللجنة القومية لحملة انتخاب البشير، لماذا؟، يقول «عم بونا» (Uncle Bona) كما يطلق عليه بعض الجنوبيين: «من بين الاثني عشر مرشحاً رئاسياً - فان واحداً منهم فقط - عمر البشير- ألزم نفسه بإجراء وتنفيذ الاستفتاء، وقال ان البشير في احدث تصريح له في يوم 10 يناير كرر إلتزامه بحق الجنوب في تقرير مستقبله في العام المقبل». ? ويمضي بونا: «حتى اذا كان بقية المرشحين الرئاسيين ملتزمين بحق الجنوب في تقرير مصيره كما تنص اتفاقية السلام الشامل - فانهم لا يقولون ذلك علناً».. بل ان وزير الاعلام في العهد المايوي يتهم غالبية مرشحي الرئاسة لمحاولة التملص من بند تقرير المصير المنصوص عليه في اتفاقية السلام الشامل. ? ويقول: «كل المرشحين الرئاسيين الآخرين يتوقعون ان يصوت الجنوب للوحدة ويعتبرون انها الخيار الوحيد»، ولكن البشير يختلف عنهم، ويستشهد بونا بمقولة الرئيس :« اذا اختار جنوب السودان الانفصال فضلاً عن الوحدة فإنني سوف أكون أول من يعترف بهذا الانفصال»، ويعتقد السياسي والجنوبي المخضرم ان انفصال الجنوب مقبول فقط من قبل عمر البشير ولا أحد سواه من المرشحين . ? النخبة الجنوبية إذاً كلها تقريباً عازمة ومصممة على اجراء الاستفتاء في موعده.. مع انهم لا يمانعون تأجيل الانتخابات. وكأنهم نفضوا ايديهم من مشاكل السودان الاخرى المعقدة وتركوا حلها (للشماليين). مفهوم ان الاخوة الجنوبيين يخشون من أي احتمال ولو ضعيف تفويت هذه الفرصة التاريخية. فقد ناضلوا وضحوا بمئات الآلاف من الارواح طوال نصف قرن لتحقيق حلمهم في تقرير مصير اقليمهم. ولكن ماذا يضيرهم لو تأجل الاستفتاء لبضعة سنين حتى تجد بلادنا خلالها - جنوباً وشمالاً - مخرجاً من المشاكل والازمات وهي كثيرة وستتعقد أكثر لو انفصل الجنوب.. وقد اجمع المراقبون على عواقب الانفصال - على الجنوب قبل الشمال - فلماذا لا نمنح فرصة اخيرة للوحدة لعلها تصير حاذبة خلال فترة التأجيل المأمول للاستفتاء.