عرف بمواقفه الثابتة وجرأته المطلقة، رجل لايعرف اللون الرمادى واضح كشمس استوائية فى سماء صافية، الدكتور بونا ملوال «46» عاماً انفقها فى طرقات السياسة المتعرجة والتى ولج اليها فى العام 1964م قبيل اندلاع ثورة أكتوبر، عمل مستشاراً للرئيس البشير ودعم حملته الانتخابية فى سباق الترشيح لشئ فى نفس يعقوب، وهو التأكيد على «حق تقرير المصير» والذى لن يأتى بغير الانفصال بحسب قراءات ملوال للواقع السياسى وتحقق له ما اراد، وبعدها قرر ان يريح نفسه من رهق السياسة والتفرغ للتأليف والكتابة بعد ان اعلن ذلك فى مؤتمر صحفى اعترف فيه بان نتيجة تجربته السياسية كانت «الانفصال» ، وقال الرجل «اذا كانت هناك أخطاء فإنه جزء منها، واذا كانت هناك خبرات فهي تحسب له في مؤتمر المائدة المستديرة، وانه غير نادم على مطالبته بالانفصال الذي تحقق للجنوب». حياته السياسية يعد بونا ملوال احد ابرز القياديين الجنوبيين ومن اكثرهم تقلدا لمناصب وزارية رفيعة في السودان، خاصة في عهد الرئيس الاسبق جعفر النميري، وعرف وزيراً للاعلام فى العهد المايوى لاطول مدة، بدأ حياته السياسية فى العام 1964 وتم اختياره أميناً عاماً منتخباً لجبهة الجنوب فى العام 1965م للاعداد لمؤتمر المائدة المستديرة، ومن ثم لمع نجمه عندما عين وزيراً للاعلام في عام 1972م قبل ان يتخلى عن نظام نميرى عام 1983م ليتم ايداعه المعتقل، وعمل ملوال ايضاً مستشاراً لرئيس الجمهورية ورئيساً للمنبر الديمقراطي لجنوب السودان ، ورغم انه من قبيلة الدينكا اكبر قبائل الجنوب والتى ينتمي اليها القائد الراحل جون قرنق ديمبيور، لكنه لم يلتحق بركب الحركة الشعبية التي قادها دكتور جون منذ تأسيسها في العام 1983، بل كانت له اراء حادة ضدها، منها اتهامه للخرطوم والحركة الشعبية بأنهما غير جادتين في تحقيق السلام في السودان، وكان يرى ان الطريقة التي تتبعها الحكومة والحركة الشعبية في المفاوضات تتسم بالتشدد، وتغيب عنها النية الحسنة، واتهم الجانبين بعدم الجدية فى الطرح، وتوقع ان تؤدى عدم المعقولية في التفاوض الى الحل الخارجي، لان الحرب لن تستمر الى ما لا نهاية ولم تخب توقعاته بعد فقد دُولت القضايا بين الجانبين ولم تتمكن الاتفاقية وإرادة الطرفين من حل المشاكل داخل البيت الكبير. ريمانه بالسلام بين الشمال والجنوب ظل بونا ملوال مؤمناً ايماناً قاطعاً بضرورة السلام وايقاف الحرب بين الشمال والجنوب ورحب باتفاقية السلام رغم تحفظاته على كثير من بنودها، بل انه تمسك بالاتفاقية لاحتوائها على بند ناضل من اجله طويلاً وهو «حق تقرير المصير» وعبر عن ذلك فى كتاباته، وقال من المهم أن نركز على حقيقة أن شعب السودان يريد السلام بأي ثمن، بصرف النظر عما اذا كانت الاتفاقية معيبة أو عادلة، وان اية اتفاقية يوقع عليها الطرفان ستجد سندا شعبيا كاسحا وقويا، فالجماهير السودانية تعرف أن الحرب كانت هي السبب الأساسي في تدهور أحوالها وتدني مستوى حياتها، وهي تأمل في أن يؤدي انهاء الحرب الأهلية وتحقيق السلام الى تحسين مستوى الحياة والمعيشة، ولكننا لا يمكن أن نطمئن الى مآل الأحداث، اذا وضعنا في الاعتبار أن أيا من الطرفين لم يكن يفاوض بنية خالصة، وقال ان اتفاقية السلام تستحق الانتظار والاحتفاء واننا مطالبون جميعا بالترحيب بفجر السلام في ربوع بلادنا، الا أننا ينبغي أن نتحلى بكثير من اليقظة ونحن نتأمل الطريقة التي يتحقق بها ، وكان رأيه الشخصى ينطوى على تأييد اتفاقية السلام مهما كان الشكل الذي تتخذه في النهاية، وكان يرى ان المخاطر التي تحيط بالاتفاقية لا تنبعث من طبيعتها نفسها، بل من تطبيقها ، ولفت الانتباه الى أن مستوى التطبيق ادى الى انهيار كل الاتفاقيات السودانية السابقة بين الشمال والجنوب، وتأسف ملوال على روح الاتفاقية، وقال انها لم تترك حيزا واسعا للشفافية والضبط والمتابعة، وذلك لحرص المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية على أن تكون اتفاقية السلام آلية لاقتسام السلطة بينهما أكثر منها آلية لحل النزاعات وحسم المشكلات، كما توقعتها أغلبية السودانيين. دعم البشير من أجل حق تقرير المصير ظل بونا ملوال حريصاً على حق «تقرير المصير»للجنوب ومن اجل ذلك سار فى طرقات الوحدة من اجل الانفصال ودعم حملة الرئيس البشير والتى كانت تنادى بوحدة السودان لانه كان على ثقة حسب قراءته للواقع السياسى ان حق تقرير المصير لن يأتى بغير الانفصال وظهر ذلك جلياً فى مواقفه السياسية وتشدده فى حق تقرير المصير الذى كان مطلباً منذ عام 1974 م ، وقال ملوال فى احدى كتابته ظلت مطالبة الجنوبيين بحق تقرير المصير تعامل باستخفاف على أنها خيانة عظمى وفي أحسن الأحوال على أنها دعوة انفصالية وعليه فهي غير مقبولة من قبل الصفوة السياسية الشمالية، واكد ان اتفاقية السلام الشامل هي أول اتفاقية تتضمن في نصوصها برتوكولاً خاصاً عن حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان. ومن ثم اصبح ملوال عضواً فعالاً في الهيئة القومية لحملة انتخاب البشير كرئيس للجمهورية، خاصة وان الهيئة تم تكوينها بواسطة الأحزاب السياسية المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية الحالية، وكان حزبه «المنبر الديمقراطي لجنوب السودان» واحداً من الأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة الوطنية، وساند ملوال حملة البشير لان الأخير اعلن التزامه على الملأ باحترام اجراء استفتاء جنوب السودان على حق تقرير المصير، وصرح ملوال ودعا الشعب الجنوبى للتصويت للبشير لانه على حسب قوله انه الوحيد من بين الاثني عشر مرشحاً لرئاسة الجمهورية الذى سيحقق تقرير المصير، وقال الذي نعلمه عن أغلب المرشحين الآخرين للرئاسة انهم يريدون البحث عن مخرج من فقرة حق تقرير المصير الواردة في اتفاقية السلام الشامل، وانهم يريدون عن طريق تحايل سياسي ضمان أن يصوت الجنوب للوحدة، والتصويت للوحدة هو الخيار الوحيد الذي سيسمح به مرشحو الرئاسة الآخرون للجنوب ولا شيء غير ذلك، وكان يرى ان قوى المعارضة «تحالف جوبا» ما تشكلت الا للبحث عن بديل للانفصال، وقال ان التحالف بمرشحيه المتعددين ما زال يبحث عن وسيلة لتفادي حق تقرير المصير لجنوب السودان لانهم أقنعوا أنفسهم بأن الجنوب سيصوت لدولة مستقلة اذا أجرى البلد الاستفتاء على تقرير المصير في الجنوب ، وشدد على ان الجنوبيين لن يسمحوا لأنفسهم بأن يخدعوا مرة أخرى، خاصة وان هناك كثيرين ينتظرون غير تقرير المصير في اتفاقية السلام الشامل، وقال لابد أن ينتبه الجنوب للوعود الفارغة من الشمال مثلما حدث في 19 ديسمبر من العام 1955م حيث وعد الجنوب بالفيدرالية لاغراء أعضاء البرلمان من الجنوب للتصويت للاستقلال، وبعد ذلك تنصل الشمال عن الوعد حتى بدون دراسة رسمية، وهناك أفعال أخرى ترقى لمرتبة الخيانة ضد الجنوب من قبل السياسيين الشماليين مما يوحي بأن تكرار هذا التصرف لا يمكن استبعاده حتى ونحن في غمرة الحملة الانتخابية لانتخابات عام 2010م، وهذه لصالح البشير ولابد من أن نمسكه من لسانه في التزامه بهذا الحق، وابدى ملوال تخوفه من ضغط تحالف جوبا للأحزاب الشمالية المعارضة على الرئيس البشير للتراجع عن التزامه لتقرير المصير والغاء اتفاقية السلام الشامل، وهذا بالضبط ما فعله بعض من المرشحين للرئاسة الكثر الحاليين من الشمال مع الرئيس الراحل جعفر محمد نميري واتفاقية أديس ابابا عام 1972 الا انه استدرك قائلاً « اتفاقية السلام الشامل ليست باتفاقية أديس أبابا التي اديرت وتم التلاعب فيها من الخرطوم وحدها»، وظل ملوال متمسكاً بتقرير المصير وكان يرى ان العرب لا يعرفون السودان، وانهم يتحدثون عن السودان العربي المسلم، وعن وحدة التراب السوداني، وكأن الجنوب بلا بشر، وانهم يخشون مسألة مبدأ تقرير المصير، وان يفضي الاستفتاء في حالة الوصول الى اتفاق سلام الى انفصال، ونحن في الجنوب «كنا» مع وحدة السودان، وقلنا انه بوجود الادارة البريطانية، كنا مواطنين درجة ثانية، ولكن بعد الاستقلال اصبحنا مواطنين درجة رابعة، فالعربي المسلم درجة اولى والمسلم غير العربي درجة ثانية، والجنسيات الاخرى درجة ثالثة والجنوبي درجة رابعة، وهذه المحطات تشير بوضوح الى مواقف الرجل الذى رأى فى تقرير المصير الخلاص للشعب الجنوبى، وبعد ان تم له ما اراد قرر اعتزال السياسة وتفرغ للكتابة، وحول مآلات الدولة الجنوبيةالجديدة قال انه لايستطيع أن يحكم على النظام هناك قبل أن يبدأ في التاسع من يوليو، مبيناً أن هناك تأثيرات إيجابية وسلبية متوقعة ، وحذر من عدم تعاون الحزبين في الشمال والجنوب لان ذلك سيؤثر سلباً على علاقة مواطني الشعبين. وحول بقائه في الشمال أو مغادرته للجنوب حال الانفصال، قال ملوال ان هذا ليس بالأمر المهم مع وجود امكانية وجوده في الشمال أو الجنوب وقال»اذا جاءتنى دعوة من الجنوب سأحتفل معهم في 9 يوليو والا فإن بيتى في الخرطوم».