شهدت قرى شمال الجزيرة في الأيام الفائتة حالات إسهالات دنت من الجائحة ولكن الإجراءات الإدارية والصحية تمكنت من محاصرة المرض. الحالات المرضية منذ ظهورها في اليوم الأول اخذت في تزايد كبير مما دعا إلى إعلان المرض عبر الصحف وضرورة توفير معينات مواجهته. وحسب ما ذكره المسؤولون والمواطنون أن ظهور الإسهال بالشكل الوبائي ليس الأول من نوعه حيث تعرضت ذات القرى لموجة من الإسهالات في العام الماضي وارجعت السلطات الصحية اسبابها الى وجود الكمائن على شاطىء النيل الأزرق، وسلوك العاملين بها واستخدامهم غير الصحيح لمياه الشرب. «الرأي العام» وقفت ميدانياً على الحالات المرضية والمسببات والمعوقات التي تواجه معالجتها، الى جانب مشكلة مياه الشرب لبعض القرى التي تشرب من النيل مباشرة دون مرورها بمراحل معالجة وتنقية مما زاد من حالات الإصابة. ----- مستشفى ألتي: عنوان الخبر الذي أوردته الصحف عن إنتشار إسهالات بالجزيرة كان مثيراً خاصة ان الصيف على الأبواب والإسهالات من الأمراض الصيفية وذات سيرة تاريخية مخيفة لإرتباطها بالكوليرا «المرض القاتل»، لذا قررت «الرأي العام» سرعة الوقوف على الحالات المرضية التي تجاوزت ال«001» حالة في أقل من «6» أيام. فتوجهنا الى مستشفى «ألتي» الذي يستقبل الحالات التي تأتي من القرى المجاورة «ألتي- ام مغد- المسيد- التكينة». وفي العاشرة والنصف صباحاً كنت أجلس مع المنتظرين للدخول الى الطبيب بعيادة مستشفى «ألتي» الذي كنت أظنه أكبر مما وجدته. سألت موظفة تسجيل المرضى عما اذا كان مرضى الاسهالات مازالوا يتوافدون على المستشفى فأجابت بأنها سجلت منذ «الثامنة» «7» حالات اسهال، ولكن حالتهم الصحية مستقرة. وبما ان الحصول على المعلومات ليس باليسير في مرافقنا العلاجية، قررت ان اتجول وكأنني زائر عادي لجمع المعلومات بطريقتي الخاصة، وعرفت من أحد الزائرين موقع عنبر «المصابين بالإسهال» ودخلت عنبر النساء وجدت «مريضة واحدة» امرأة في الثلاثين من عمرها وبجوارها طفل صغير لم يتجاوز ال«21» شهراً. وترافقها امرأة مسنة ربما تكون والدتها وقد بدا عليها القلق إذ أنها كانت تقطع العنبر جيئة وذهاباً فعرفت بان «المريضة» تعاني من الإسهال وتضع حوضاً بلاستيكياً أسفل سريرها تحسباً «للحالة» اذا داهمتها.. المرافقة ظنت بأنني طبيب أو ممرض وقالت لي بان المريضة تحتاج لمحلول وريدي وبانهم لم يتمكنوا من شرائه وقبل ان تكمل حديثها دخلت احدى الممرضات وسألتها ما اذا احضروا «المحلول» فأجابت بأن والد المريضة عاد الى البيت لإحضار ثمن «المحلول» قلت لها ألا يصرف لكم المستشفى المحلول مجاناً؟ فأجابت بالنفي. إدارة المستشفى تقف على قدم وساق في استقبال المرضى ونظافة العنبر بين حين وآخر.. بالرغم من ان المرض ليس خطيراً كما عرفت من العاملين بالمستشفى حتى انهم لم يعزلوا مرضى الإسهالات عن بقية المرضى الآخرين. ولكن على ما يبدو ان المستشفى لا يقدم سوى السرير والممرض الذي يحقن المريض بالمحلول. وكشف لي مصدر داخل المستشفى أن إدارة المستشفى أبلغت وزارة الصحة الولائية بوجود إسهالات وأن الحالات في تزايد مطرد منذ يوم 7/3/0102م، وطالبت بتوفير كمية من المحاليل الوريدية والعلاج الوحيد والمنقذ لهذه الحالات، وبما ان المريض الواحد قد يحتاج الى «8» «أنبولات» من المحلول حتى يتمكن من تعويض السوائل التي فقدها، إلا ان الوزارة لم توفر سوى «04» انبولة محلول وريدي، الذي لا يغطي العدد الذي يدخل المستشفى وكلما تأتي حالة تطلب ادارة المستشفى من المريض احضار المحاليل الوريدية من صيدلية المستشفى. «بكتيري» لا «مائي» بدأ مستشفى «ألتي» في إستقبال حالات الإسهالات التي عرفنا لاحقاً بعد ظهور نتيجة الاستزراع للعينات بالمعمل القومي «ستاك» بأنها حالات اسهال بكتيري وليس «مائياً» حسب إدارة الصحة بالوحدة الادارية المسيد، وقد بدأ باستقبال «7» حالات في اليوم الأول 9/3، وبدأ العدد في ازدياد ملحوظ منذ اليوم الثاني الذي استقبل فيه «9» حالات، واليوم الثالث «71» حالة، واليوم الرابع «52» حالة،واليوم الخامس «62» حالة واليوم السادس «52» حالة وفي اليوم السابع سجل «41» حالة، إذ انخفض عدد الحالات، مصدر طبي بالمستشفى قال بأن «09%» من الحالات من عمال «كماين الطوب» على شريط النيل الازرق من «ام مغد» حتى المسيد، قرية المسيد في المرتبة الثانية وان كانت الحالات كثيرة ثم ام مغد وألتي. لقاء مع المرضى وداخل عنبر الرجال التقينا بعدد من المرضى، المريض «مدود كواج» عامل في الكمائن سألته عما تناوله فقال بأنه لم يتناول سوى شاي من الصباح وماء، واضاف بأنه متأكد بأن السبب في إصابته بالاسهال الماء الذي شربه من مرسى البنطون، ويقول «ماركو اداك دينق» ايضا يعمل في الكمائن بأنه شعر الصباح بآلام خفيفة في البطن ولكنه وجد نفسه يغرق في إسهال يندفع دون ان يشعر وأنه أشبه «بماء الرز»، وزاد بأنه تناول طعاماً كالذي يتناوله يومياً. وهو العصيدة ولم يزد شيئاً عليه. المواطن «دول دينق» دخل الى المستشفى قبل «84» ساعة من حضوري وقال إنه أخذ «6» دربات ولكن الاسهال مازال مستمراً، وأضاف بأنه شك بأن الماء الذي يشربونه من النيل ملوث وسبب له الاسهال وعاتب المستشفى بأنه لا يقدم له اي شيء سوى الممرض الذي يأتي ليحقنه بالدرب. بينما المواطن محمد عبدالله أكد بأنه لم يتناول شيئاً من الصباح سوى «كوز موية» من البنطون «اي مرسى البنطون» جوار الكمائن، وقال بأنه يعمل سائقاً وذهب الى الكمائن بعربته. ولم يكن يشكو من اي آلام في البطن ولكنه أصيب فجأة بإسهال شديد. كلاكيت ثاني مرة ذات المنطقة والقرى شهدت العام الماضي في نفس التوقيت إسهالات شديدة وسجلت الحالات أعلى معدلاتها حيث كان المستشفى يستقبل يومياً «03» حالة أو أكثر واتخذت السلطات الادارية والصحية جملة من الإجراءات وصلت حد إغلاق المطاعم ومحلات الخضر والفواكه للسيطرة على المرض، وبالفعل أدت الإجراءات إلى إنحساره، «حسن علي رحمة» الأمين المالي باللجنة الشعبية بقرية «ألتي» احدى القرى التي تعرضت لموجة الإسهالات لعامين متتالين تحدث ل«الرأي العام» عن الإجراءات التي اتخذت للسيطرة على المرض فقال: بأنهم تلقوا إخطاراً من الإدارة الصحية بالوحدة الإدارية «المسيد» بوجود حالات اصابة بالإسهال، ربما اننا خضنا تجربة سابقة في «محاصرة وباء الإسهال الذي ضرب المنطقة العام الماضي وفي ذات التوقيت، اتخذنا جملة من التدابير اولها السيطرة على بؤرة المرضى وهي «الكمائن» التي باتت تشكل تهديداً كبيراً على صحة البيئة في المنطقة واثبتت النتائج صحة توقعاتنا بعد ايقاف العمل في الكمائن قبل «3» ايام حيث انحسرت حالات الاصابة على نحو كبير وملحوظ، وأضاف بأنهم سيمددون فترة توقيف العمل في الكمائن إلى أسبوعين.. ويمضي بالقول بأنهم بعد ظهور حالات اسهال مائي في المنطقة العام الماضي وربما لأول مرة منذ «سنين» اتخذنا اجراءات صارمة والزمنا ارباب الكمائن بتوفير بيئة صحية للعاملين بتغطية «براميل» المياه التي يستخدمونها للشرب وتقديم غذاء صحي للعاملين الى جانب تنظيم حملات لإصحاح البيئة بالتنسيق مع الشرطة. قلت له اذا كان بالإمكان إزالة هذه الكمائن خاصة بعد ان تأكد لهم بأنها وراء الإصابات بالإسهال؟ فأجاب: بأنه لا يمكن ازالة الكمائن التي تشكل مورداً اقتصادياً الى جانب استيعابها للعديد من العمالة من أبناء المنطقة وآخرين بحيث تعتمد شريحة كبيرة على العمل في هذه الكمائن، ولكن يجب ان يتفهم أصحاب الكمائن الخطورة التي يمثلها العاملون الذين يأتون بثقافات مختلفة وبسلوك مختلف يتمثل في قضاء الحاجة بجوار الماء وإبقاء مخلفات الكمائن ونفاياتهم في الماء ويلزمهم بالمحافظة على النظافة جوار النيل ونظافة المياه التي يشربونها وهكذا. المتهم الأول الكمائن هي المتهم الأول في التسبب بالإسهالات وربما أثبت قرار إدارة الصحة واللجنة الشعبية بتوقيف العمل في الكمائن صحته بعد تراجع حالات الإصابة.. هل يمكن ان تكون هنالك حلول لتفادي وقوع مثل هذه الحالات في المستقبل؟ هذا السؤال أجاب عليه اليسع الطيب مساعد مشرف ادارة الصحة بالوحدة الادارية «المسيد» محلية الكاملين: قائلاً: إن تيار النيل الأزرق بطيء، وهذا يساعد على ركون الفضلات الآدمية التي يتركها العاملون بالكمائن على النيل وبالتالي تختلط هذه الفضلات التي تلوث الماء، وفيما يختص بالتدابير التي اتخذت لمحاصرة تلوث المياه، وفيما يختص بالتدابير التي اتخذت لمحاصرة الإسهالات التي انتشرت بصورة كبيرة في اوساط العاملين ومواطني القرى المجاورة للكمائن قال بأنهم اوقفوا العمل في الكمائن الى حين، وانهم الزموا ارباب الكمائن بإجراء كشف دوري للعاملين، وعزل المرضى، كما أنهم افرغوا الكمائن من العاملين بالتنسيق مع الشرطة لضمان سلامتهم وسلامة المواطنين في قرى «ام مغدر والتكينة، وألتي، والمسيد». كما ان السلطات الصحية نفذت حملة تطهير بواسطة مبيد ضبابي للذباب ورش الكمائن، وتوزيع مضادات حيوية للمواطنين القريبين والمحتكين مع عمال الكمائن وتوجيه المواطنين بإتخاذ التدابير اللازمة مثل غلي الماء. مياه المسيد: وخلال جولتنا على شريط النيل في المنطقة لحظنا بان الكمائن مازالت تباشر نشاطها رغم توجيهات إدارة الصحة بإيقافها ومازالت حالات الإسهال متفشية في اوساط العاملين فيها حسب حديث بعضهم، وإستمرار الاصابة بالرغم من تدني الحالات المسجلة في اليومين الماضيين إلا أنه يثير مخاوف المواطنين بقرية المسيد على وجه الخصوص لانهم كما قالوا ليس لديهم حائط سد يحميهم من هجمات الاسهال، وقال لنا احد المواطنين بأنهم يشربون الماء من النيل مباشرة دون خضوعها لاية معالجات أو ترسيب، وهذا ما قد يزيد نسبة الاصابة في أوساط مواطني قرية المسيد. وحسب المواطنين فان قرية «المسيد» تعيش فوق بركان الأوبئة التي يسببها تلوث المياه ويخشون ان يقع ما لا يحمد عقباه اذا لم يتم تدارك الأمر ومعالجة مصادر المياه. رئيس اللجنة الشعبية بقرية المسيد الاستاذ عوض الجيد أحمد الزبير، علق على مشكلة وباء الإسهال الذي بات يزورهم سنوياً بقوله إن هناك «3» عوامل تؤدي الى تلوث مياه النيل، بالتحديد من الكاملين حتى منطقة بتري، وهي النفايات الصناعية ومخلفات المصانع، والكمائن على شريط النيل، وسلوك العاملين فيها الذين يقضون حاجتهم في النيل، وكذلك رمي المواطنين لنفاياتهم في النيل، وبما اننا لا نملك شيئاً نقدمه طالبنا المواطنين بتوخي الحذر وفلترة المياه من خلال «تنقيط الأزيار». ? لماذا لا تطالبون السلطات الصحية بتوفير مواد لتنقية المياه ومعالجتها؟ - قال: بأنهم طالبوا بذلك مراراً، وقد وعدت حكومة الولاية بتركيب محطة تنقية، وهذا المشروع تمت اجازته في العام 5002م ومن المفترض ان تغطي «ام مغد- التكلة- ألتي - المسيد- المسعودية- الجديد» لكنه لم ينفذ. ? هناك بعض أهالي القرى يشربون من مياه الآبار لماذا لم تفكروا في إنشاء آبار إرتوازية لمياه الشرب؟ - مياه الآبار في منطقتنا لا تصلح للشرب للملوحة الزائدة فيها ولا سبيل سوى مياه النيل، وفيما يختص بمعالجة المياه التي يستخدمها المواطنون دون معالجات قال: ليست هناك آبار ترسيب وحدث ان حفرنا بئراً ولكن واجهتنا صعوبة في نظافتها التي تستدعي قطع الامداد المائي لمدة «42» ساعة. المحرر: في طريق عودتي للخرطوم اتصل بي رئيس اللجنة الشعبية بقرية المسيد واخبرني انه اصيب بالاسهال البكتيري يوتليق يالعلاج بمستشفي ألتى. نقص المحاليل مصدر طبي من مستشفى «ألتي» أبدى أسفه لكمية المحاليل الطبية التي تصرف للمستشفى للحالات الطارئة وطالب بضرورة توفير مخزون وافر لها لأن الظروف غير معروفة، وعلق على حالات الإسهالات التي ضربت القرى بأنها ناتجة من تلوث المياه في النيل يمثل عمال الكمائن بسبب سلوكهم الوسيط الناقل والمسبب لهذا المرض، وأشار بأن الإسهالات الاخيرة غير خطيرة، إلا ان الخطورة تكمن في عدم معالجة مصادرها. أخيراً خطورة الأمراض الوبائية الناتجة من التلوث البكتيري قد تتعاظم مع تقدم فصل الصيف وإرتفاع درجة الحرارة، وما لمسته من خلال وقوفي على الحالات المرضية الناتجة من تلوث المياه ان المرض «سلوكي» في المقام الاول، ويأتي «تلويث مياه النيل الأزرق» بسبب الكمائن وسلوك العاملين فيها ومخلفات المصانع والمخلفات القادمة من خزان سنار في فترة فتح أبوابه. في المقام الثاني ولذا يستدعي تكثيف الجهود لترقية السلوك ومعالجة مصادر المياه على وجه السرعة والتحليل الدوري لمياه النيل الأزرق، والأهم توفير متطلبات مواجهة الإسهالات مثل «المحاليل الوريدية بالمستشفيات التي تستقبل مثل هذه الحالات».