أعلن جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكية السابق، في إحدى جلسات الكونغرس، أن التدخل السري في انتخابات بلدان أخرى بدعم مرشح أو حزب أو التأثير في نتائج الانتخابات لا يعد أمرا مستنكرا، عبارات استخدمها د. حسن الحاج علي عميد كلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم كمقدمة تتصل بالدور الخارجي والأمريكي على وجه الخصوص في الإنتخابات المقبلة، في استهلال ورقة عمل قدمها في ندوة (المؤثرات الخارجية على انتخابات 2010م (الدلالات والمآلات)، نظمها قسم الدراسات الدولية بمؤسسة ركائز المعرفة للدراسات والبحوث أمس الاول في قاعة الشارقة. والمتابعات اليومية لمتعلقات الإنتخابات التي لم يعد يفصل عنها كثير وقت، تركز في أغلبها على استخلاص العبر من التجارب الإنتخابية المحيطة إقليميا ودوليا، وتعتبر الأيادي الخارجية أحد أهم العناصر التي شكلت حجر الزاوية في المحصلات النهائية للإنتخابات وأسهمت أحيانا في تغيير نتيجتها وتحديد مصير شعوبها. وكان الحديث عن تجارب التدخل الدولي في إنتخابات سابقة في المحيط الأفريقي وعلى الساحة الدولية بشكل عام مدخلا مناسبا للدكتور محمد أحمد عبد الغفار السفير بوزارة الخارجية الذي قدم ورقة عن (الدور الإقليمي في العملية الإنتخابية)، سلط فيها بعض الضوء على التجربة الكينية في نوفمبر 2007م، والتي اعقب إعلان نتائجها إضطرابات أدت لمقتل (1200) مواطن ونزوح وتشريد (600) الف آخرين، رغم مشاركة الإتحاد الأوربي واتحاد شرق أفريقيا بمراقبين، ويقول: إذا نظرنا للتجربة من زاوية المؤثرات الإقليمية نجد أنه حدثت ضغوط لإعادة الفرز ولم تفلح، وتدخلت أمريكا لتكوين حكومة وحدة وطنية، ثم جاءت وساطة من كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة، وهناك أقر مراقبو الإتحاد الأوربي بأنه لم يسمح لهم أحيانا بدخول مراكز للإقتراع، فيما لم يدل مراقبو اتحاد شرق أفريقيا بأية تصريحات. ويرجع د. عبد الغفار أسباب العنف العرقي الذي اندلع في كينيا إلى أربعة أسباب هي إعلان نتائج أولية لم تتطابق مع النتيجة النهائية، والثاني تصريحات الاتحاد الأوربي عن عدم السماح لهم بدخول المراكز، والثالث تدخل أمريكا والوساطة الأفريقية، والرابع العامل القبلي الذي يمكن أن يكون عنفا عفويا وغير منظم، ويحذر من خطورة نشر النتائج الاولية دون تأكد. وينبه لوجود عنصر المحاكاة في الإنتخابات الأفريقية بغرض تغيير نتيجتها أو إحداث بلبلة، إضافة إلى الإستقطاب القائم على القبيلة للقيام بسيناريو معين حتى لو كانت النتيجة سليمة، وينبه إلى ان المؤثرات الإقليمية في السودان أولها وجود سيناريو يتصل بالمحاكاة، وينبه لضرورة التحسب لها، ويشير إلى وجود حكومات توعز للداخل بإمكانية تأجيل الإنتخابات، بجانب وجود قبائل مشتركة مع دول أخرى تؤثر وتتأثر بالمحيط الإقليمي يمكن ان تكون ضمن المؤثرات على الإنتخابات، ويضيف د. عبد الغفار أن المحيط الإقليمي كان له دور في عمليتي الحرب والسلام في السودان، وبالتالي يمكن أن يكون له دور في الإنتخابات، ونبه إلى أن الإعلام المحلي يمكن أن يلعب دورا كبيرا من خلال عكس سير الإنتخابات دون تأثير. والإعلام كإحدى الأدوات ذات التأثير العميق خلال الإنتخابات وجد حظه في الندوة، إلا أن بروفيسور علي شمو رئيس المجلس القومي للصحافة والمطبوعات تناول التطور الكبير في جانب الإعلام، ويشير إلى أنه لم يعد هناك ما يعرف بالإعلام الداخلي والخارجي، وإن الإنتخابات رغم أنها حدث محلي جغرافياً إلا أنه عالمي بفضل تطور وسائل الإعلام والإتصال، وينوه إلى أن الأقمار الإصطناعية والإنترنت والهاتف المحمول الأكثر خطورة عبر الرسائل القصيرة، وأنها أصبحت ذات تأثير كبير ولا يمكن السيطرة عليها، ويضيف أنه لولا تقدم وسائل الإعلام ما كان للتدخل أن يحدث، ويحذر شمو من خطر وجود السودان تحت مظلة أكثر من (500) قناة فضائية يمكن أن تتدخل بآراء مباشرة في العملية الإنتخابية، وينبه إلى أن المعلومات التي يمكن أن تصل للمواطن السوداني كثيرة، كما أن المساحات التي يمكن أن تجدها وجهات النظر كبيرة بفرص غير متساوية، ولا يمكن تحديدها، ويضيف شمو أن فضائيات بعينها يمكن أن تكون لاعبا أساسيا مثل الجزيرة والعربية وبعض القنوات السودانية والمصرية ، ويؤكد أن التأثير والتدخل موجود ومن الداخل وليس من الخارج عبر مراسلين لقنوات ووكالات يمكنها إعداد تقارير غير دقيقة، ويشير شمو إلى التقارير غير الدقيقة التي تعد عن السودان وتعرض على الرأي العام العالمي والمحلي وتؤثر فيه مثل تقرير مركز كارتر عن الحريات وبعض المراكز الأخرى حول حرية الرأي، ويقول إن الخطورة تكمن في نشر الأخبار قبل وصول الامور إلى نهاياتها، ويشدد على ضرورة الإنتباه للإعلام كعامل جديد لم نعتد التعامل معه ونألفه في الإنتخابات من قبل. وقدم د. معتصم حسن فرح ورقة عن دور منظمات المجتمع المدني الوطنية والدولية والإقليمية في الإنتخابات، ويؤكد أن دورها يكمن في ترسيخ الحكم الراشد والديمقراطية والشورى، والرقابة والتوعية والتثقيف، بحسب الدستور الإنتقالي، ويشير إلى أن الرقابة الدولية وكأنما أصبحت عرفا في أن تعمل دون تحيز في هذه الجوانب للوقوف على مدى سلامة ونزاهة الإنتخابات، ويضيف أن مفهوم العمل الطوعي تغير من المفهوم التقليدي إلى أدوار أخرى متعلقة بحقوق الإنسان والمراقبة وحقوق السلامة الشخصية وغيرها، وتعرضت ورقة د. معتصم لجوانب كثيرة في عمليات التنسيق والتحديات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني في هذه المجالات، ويشير إلى أنه ليست كل المنظمات القادمة نحو السودان تأتي لخيره وإنما تأتي لتنفيذ أجندة بلدانها، ويؤكد أن بعض المنظمات أسهمت في الصراع ولذلك جاء طرد عدد منها. وشارك د. حسن الحاج علي عميد كلية الإقتصاد بجامعة الخرطوم بورقة عن التدخل الخارجي في الإنتخابات المحلية، نبه في أولها إلى تصريحات جيمس بيكر المذكورة آنفا، ويعدد الحاج أنواع التدخل (عبر الدعم المالي المباشر وعبر التدريب وبناء القدرات) ويقول إن الموارد مؤثرة وشاملة عن طريق دعم جهات بعينها ورفع قدرات. ويقول إن التدخل غير المباشر يكون بطريق ناعم مثل إستخدام الإنترنت، ويشير إلى القول الأمريكي بأن حرية استخدام الأنترنت من صميم سياسة الخارجية الأمريكية، بجانب قرار رفع قيود تصدير الإنترنت، ويقول د. حسن إن أمريكا تحديدا تستخدم مصادر تمويل ضخمة ومنظمات دولية لخدمة أهدافها في هذه الدول مثلما حدث في العراق ونيكاراغوا ومن قبل في أوكرانيا وبولندا. ويضيف أن التدخل السياسي قد يشمل تحديد الأجندة السياسية وتشتيت الأصوات وغيره. ويشير د. حسن إلى أن النشاط الأمريكي في السودان عبر المعهد الجمهوري العالمي في السودان، ويلفت إلى دور المعونة الأمريكية التي شكلت الذراع الأكبر في تمويل بعض فعاليات دارفور، وقدمت (6,837) مليون دولار لعشرات من منظمات المجتمع المدني السودانية، بجانب نشاط المعهد الديموقراطي في السودان الذي يركز على القيام بدراسات المسوحات والرأي العام في جميع أنحاء السودان.