مياه كثيرة مرت تحت جسور رفاق جوبا، منذ أن أطلق د. حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، نظرية تشتيت الأصوات التي اجتمعت حولها أحزاب المعارضة، وملأت الساحة السياسية نقاشاً وجدالاً، ما أهلها لتصدر الشباك الانتخابي فترات طويلة. الترابي بنى نظريته بطريقة تعمل للحيلولة دون حصول مرشح المؤتمر الوطني على نسبة ال (50%+1) المؤهلة للجلوس على دست الرئاسة، من خلال العمل على تفريق أصوات الناخبين بين مرشحي الأحزاب في المرحلة الأولى، ومن ثم إسقاط مرشح الوطني في جولة الإعادة، بالإلتفاف حول أعلى مرشحي قوى الإعلان حصداً لبطاقات الإقتراع. وفيما نجح الترابي في مراده، بحمل أحزاب المجموعة لترشيح شخصيات مرموقة في مضمار الرئاسة، كتطبيق عملي للتشتيت، برزت للسطح حديثاً بعض التباينات الجلية بين قوى المجموعة، أبرزها حول الموقف من الانتخابات، فالمؤتمر الشعبي -صاحب فكرة التشتيت- يصر بشدة على خوض غمار الانتخابات، على الرغم من إعتراضاته المتوائمة وإعتراضات بقية الأحزاب في المجموعة على خطوات عديدة صاحبت الإجراءات الانتخابية ووصلت حد الطعن مباشرة في الجهة المسؤولة عن إدارة الانتخابات وهي بالطبع المفوضية القومية للانتخابات، أما بقية المجموعة فلم تعلن موقفها بعد من الإنتخابات وأرجأته لحين رد مؤسسة الرئاسة على المذكرة التي رفعتها المجموعة ، موقف من شأنه إثارة الأسئلة المصحوبة بالغبار والأتربة، عن تماسك قوى جوبا، خاصة بحال قررت المجموعة مقاطعة الانتخابات، في وقت يتمسك فيه حزب الترابي بموقفه القاضي بخوضها. آخر المطبات التي وقعت فيها المجموعة، فدلقه على السطح الإمام الصادق المهدي مرشح حزب الأمة القومي لإنتخابات الرئاسة من منزله بأم درمان، فيما يتعلق بنظرية التشتيت بقوله إنها تعكس إعترافاً بصعوبة توحيد المرشحين، ومن ثم أسال الإمام رشاشه البارد على وجوه من معه في كتلة جوبا، على حقيقة مهمة بإضافته أن نظرية التشتيت قد تصب في صالح المؤتمر الوطني، آخر ماعون تسعى المجموعة لملئه بأصوات الناخبين. وبالعودة القهقهري، وتحديداً لبدايات السنة الحالية، نجد ان تحالف جوبا كان قد نفى إختياره للإمام الصادق المهدي مرشحاً باسم المجموعة لإنتخابات الرئاسة، ووصفت المجموعة حينها الخبر الذي انفردت به وكالة الأنباء الكويتية (كونا) بالمدسوس وأتهمت قوى لم تسمها بدس الخبر لجهة شق عصا قوى الإجماع. بيد أن منحى قوى المجموعة مطلع العام، يعضد من حديث الإمام عن صعوبة الالتفاف حول مرشح واحد، كما يبين صعوبة تذويب الفوارق بين أحزاب المجموعة المنطلقة من عدة منصات فكرية. غير أن د. صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية، قرر السباحة عكس مجرى التيار، بتفسيره حديث الإمام الصادق على أنه إشارة لإنسحابه من سباق الرئاسة، إنسحاباً ليس لصالح حزب بعينه، وإنما درءاً لفضيحة الرسوب في إمتحان الرئاسة على حد تعبيره، وهو ما أشار الدومة لإمكانية حدوثه بنسبة كبيرة إستناداً إلى إستطلاعات وقياسات الرأي. الأحاديث الرائجة عن صعوبة إدارة التباين داخل قوى المجموعة، ذهبنا بها لحسن إسماعيل الناطق الرسمي باسم حزب الأمة الإصلاح والتجديد، اسماعيل أكد أن قوى المجموعة قادرة على تجاوز كل الأزمات، وخوض الإنتخابات تحت لواء مرشح أوحد وذلك منذ الجولة الأولى، وقال إن المجموعة التي تبنت نظرية الترابي بتشتيت الأصوات إبتداءً، ستعمد إلى إختيار مرشح عنها في الإسبوع الذي يسبق التصويت، وجدير بالذكر أن النظرية الجديدة مسجلة باسم مبارك الفاضل. وعن جدوى إنتظار قوى المجموعة إقتراب صافرة إعلان بداية العملية الإنتخابية بصورة فعلية، وقبل سبعة أيام من توجه الناخبين لصناديق الإقتراع، لإماطة اللثام عن مرشحها، أوضح اسماعيل أن إتفاقهم على مرشح للمجموعة في وقت مبكر كان من شأنه خلق حالة من التراخي وسط جماهير وقواعد المجموعة، وأردف بأن التأخير يجلب معه خير إستنهاض وإحياء القواعد الحزبية النائمة طوال عقدين من الزمان جراء غياب التجربة الديمقراطية، وشحنها بالمحفزات اللازمة طوال فترة الحملات الانتخابية، للإمتثال عند رغبة قادة المجموعة، ودعم مرشحها الذي يقف في قبالة مرشح المؤتمر الوطني. وفيما يأمل المؤتمر الوطني في تحقق مقولة المهدي، بان تهب رياح الإختلاف لتشتت خيام قوى جوبا، وتتنسمها شجرته -في المقابل- لتزداد رسوخاً في الأرض، تأمل قوى جوبا بتجاوز المطبات الهوائية القاسية التي تواجهها، والروح الإنهزامية التي بدت تستشري في أوصال القادة، وصولاً لنهايات فرضية الترابي، وإقتلاع شجرة الوطني.