للحظات قليلة سبقت تقديم عبدالله دينق نيال مرشحا لرئاسة الجمهورية عن المؤتمر الشعبي، توقع الكثيرون ان يطلب الترابي من احزاب المعارضة اعتماد نيال كمرشح اوحد في مواجهة البشير، ولكن زعيم الشعبي فاجأ الجميع عندما قال انه من الغباء ان تخوض المعارضة انتخابات الرئاسة بمرشح واحد. الترابي كشف عن طريقة جديدة اسماها(التشتيت) لعرقلة فوز الرئيس البشير في الانتخابات من الجولة الاولى، الطريقة تعتمد اسلوبا يقارب نظام الذهاب والاياب في مباريات كرة القدم.. فكرة الترابي تقوم على ان يدفع كل حزب معارض بمرشحه لرئاسة الجمهورية، وبهذا تقدم المعارضة (قوس قزح) رئاسي قوامه خيارات واسعة امام الناخبين، لينتقي كل ناخب ما يوافق مزاجه ويعطي صوته للمرشح الذي يرى انه يعبر عن تطلعاته. هذه الفكرة تخدم مجموعة من الاهداف، اهمها اثنان: - الهدف الاول: تشتيت اصوات الناخبين على قاعدة واسعة من المرشحين وبالتالي اضعاف حظوظ الرئيس البشير في حصد (50%+ 1) وهي النسبة المطلوبة لفوز المرشح الرئاسي في الجولة الاولى. - الهدف الثاني: معرفة كل حزب لوزنه الانتخابي، والتعرف على الخارطة الانتخابية الجديدة التي ستتوزع عليها مناطق النفوذ، خاصة وان اكثر من عشرين سنة مرت على الخارطة القديمة، وهي سنوات تكفي لتغيير الافكار والمفاهيم والولاء. النص الذي يخدم الهدف الاول يقول: يتم انتخاب رئيس الجمهورية او رئيس حكومة جنوب السودان بأن يدلي كل ناخب بصوت واحد لصالح احد المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية أو رئيس حكومة الجنوب، ويفوز في الانتخابات المرشح الحاصل على خمسين بالمئة من اصوات الناخبين الصحيحة زائد صوت واحد او اكثر. اذا تحقق الهدف الاول الذي يريده الترابي، ولم يتمكن البشير او أي من المرشحين الآخرين من احراز النسبة المؤهلة لمنصب الرئاسة، فستلجأ المفوضية الى جولة تنافسية اخرى حاسمة، (لا بأس من تسميتها بمباراة الاياب) تنحصر المنافسة فيها بين المرشحين الاثنين اللذين حصلا على اكبر عدد من الاصوات. عند الوصول الى الجولة الثانية- بناء على نظرية التشتيت- ستجد المعارضة ان امامها فرصة ذهبية لتجميع الاصوات المشتتة او المتشتتة لصالح مرشح واحد ضد مرشح المؤتمر الوطني. غير ان عيوب الجولة الثانية -اذا لم تحسم انتخابات الرئاسة من الجولة الاولى- هي ان المعارضة ستعتمد على لغة الحساب لا منطق الحسابات. لغة الحساب تعني مجرد تجميع عددي لأصوات مرشحي الرئاسة ووضعها نظريا في صندوق مرشح واحد يتم الاتفاق عليه، أما منطق الحسابات فينبني على عدد من الافتراضات لا تلتقي مع لغة الحساب، منها ان القوى المعارضة قد لا تستطيع الاتفاق على مرشح رئاسي واحد، خاصة اذا افرزت نتائج الجولة الاولى تقاربا كبيرا أو تساويا في عدد الاصوات بين مرشحي المعارضة انفسهم، لأن تقارب الاصوات او التساوي يجهض رغبة المرشحين في التنازل، بل ربما ازكى الصراع بين القوى المعارضة نفسها. أما اذا كانت القوى المعارضة (من الذين يوثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) وافلحت في الاتفاق على مرشح واحد، فهناك عقبة أخرى بانتظارها لا تقل اهمية عن سابقتها ولكنها لا تتعلق بالمرشحين، وانما بالناخبين، فالذين صوتوا في الجولة الاولى لصالح (نظرية التشتيت) وفرقوا اصواتهم على مرشحي المعارضة، لن يكونوا كلهم بالضرورة راغبين في تغيير ولاءهم من مرشح الى آخر مثلما يفعل القادة الميدانيون للحركات المسلحة.