الرئيس ساركوزي في الولاياتالمتحدة منذ الاثنين الماضي والقى محاضرة في جامعة كولمبيا وقابل بعدها (باراك أوباما) في البيت الابيض ما هي أسباب هذه الزيارة المفاجئة؟ المحللون الإقتصاديون قالوا إن السبب هو التصرف الأمريكي الأخير بتطبيق نظام (الحمائية) في صفقة الطائرات الحربية للتزود في الجو والتي فضلت فيها الولاياتالمتحدة شركة (بوينغ) على الشركات الفرنسية والأنجليزية مما أثار غضب الآخرين، لكن بعض المحللين ذهبوا لأبعد من ذلك وهو أن ساركوزي ومنذ أن جاء إلى السلطة في فرنسا ورغم أنه صنف بأنه (صديق) للولايات المتحدة أكثر من (جاك شيراك) إلاّ أن الرئيس الحيوي النشط والقصير القامة كان يحمل أفكاراً لا تتفق مع أمريكا ومثال لذلك شعوره القوي بأنه لا يمكن لأمريكا أن تقود العالم إقتصادياً لوحدها ولا يمكن أن يستمر (التهميش) لفرنسا وللإتحاد الأوروبي من جانب الأمريكيين بعد هذا. هذه هي أمثلة لبعض الأفكار التي جاء بها الرئيس ساركوزي لدفة الحكم في فرنسا خلفاً لجاك شيراك. فمن هذا المنطلق كانت علاقة (ساركوزي) مع الرئيس (بوش) يشوبها الكثير من عدم (الود) والارتياح النفسي حتى قيل إن (الأخير) عندما زار أوروبا قبل شهر واحد من الإنتخابات لم يعرج على فرنسا بل ذهب إلى سولفينيا والتشيك ولندن إذ بلغه أن (الأول) كان فرحاً بقرب الإنتخابات الأمريكية وتمنياته بفوز (أوباما). لكن عندما فاز أوباما وجاء إلى كرسي الحكم في البيت الأبيض تفجرت الخلافات بين الرئيسين بسبب الأزمة المالية التي وصفها ساركوزي بأزمة التجار الفوضويين في أمريكا وأتهم الأمريكيين بأنهم سبب كارثة الأزمة المالية وأدخلوا فيها العالم - أي عولموها - بدون وجه حق، و(نعت) النظام الرأسمالي بأقبح (النعوت) ونادى بإعادة هيكلته وتوسيع الإدارة المالية لصندوق النقد والبنك الدوليين. ويرى ساركوزي في (أوباما) أنه الرجل الذي يتحدث كثيراً قبل أن ينفذ ويقوم بتحويل الملفات الإقتصادية إلى فريقه الإقتصادي دون ان يتخذ هو القرار وإن كان صغيراً. أما (أوباما) رغم أنه يحتفظ بعلاقة ودية (بساركوزي) وزوجته كارلا بروني إلاّ أنه يرى في صديقه الفرنسي أنه يتطلع بسرعة لكرسي قيادة الإتحاد الأوروبي ولديه نزعات لتحديد علاقة دول اليورو زون (euro zone) بالولاياتالمتحدة وبالأخص العلاقات الإقتصادية والتجارية والمالية بحيث لا يسمح بأي تدخل أمريكي في الشؤون الإقتصادية والتجارية للإتحاد أو المساعدة بالتدخل لحل أزماته. (فأوباما) لديه شعور أن ساركوزي بات لا يطيق أي شيء آتٍ من أمريكا وأنه ممسك بكل الملفات في بلده فرنسا شخصياً ولا يشاور من حوله في الأمور. هذا هو رأي الرجلين كلٌ في الآخر مع الاحتفاظ بالعلاقات الودية، والآن ساركوزي وزوجته في ضيافة باراك أوباما، والرجلان سوف يعقدان جلسة (عتاب) في البيت الأبيض اليوم وأكيد أن (ساركوزي) سوف (يعاقب) أوباما على صفقة الطائرات الحربية الأخيرة، وأكيد أن (أوباما) سوف يعاتب ساركوزي على إقحام اسم الولاياتالمتحدة وعدم إهتمامها بالمجازر التي حدثت في (رواندا) أثناء زيارته الأخيرة لأفريقيا. وفي النهاية سوف يضع الرجلان علاقتهما الشخصية جانباً ويغلبان عليها علاقة الدولتين وهذا هو ديدن الأمريكيين دوماً، فهم دائماً تهمهم مصالحهم الإقتصادية القومية أكثر من علاقاتهم الودية الشخصية، فاذا كان ساركوزي قد جاء خصيصاً ليشكو من (الحمائية) أو جاء لينصح الأمريكيين بعدم التدخل في الشأن اليوناني فإن زيارته ستبوء بالفشل لأن الأمريكيين يتصرفون طبقاً لمصالحهم الإقتصادية والمالية ولا تهمهم نصائح الآخرين. أما ساركوزي الذي سوف يجتمع بأوباما في البيت الأبيض وسوف يعقدان مؤتمراً صحافياً بعد ذلك لا أظنه سيكون (محظوظاً) بتمرير أجندته وهو مطلوب منه إقناع أوباما وفريقه الإقتصادي الذي يمسك بالملفات والكونغرس ومجلس الشيوخ والقائمة طويلة.