في حراك قوى أحزاب جوبا في شتى الاتجاهات، مسرحية كبيرة، الهدف منها تطمين المؤتمر الوطني، ومن ثم الإجهاز عليه في مرحلة التصويت بالالتفاف حول مرشح اوحد بصورة مربكة، أعلن تحالف قوى الإجماع الوطني (قوى جوبا) الخميس المنصرم، مقاطعته للانتخابات الرئاسية كلية، فيما أرجات مجموعة من أحزابه البت في مواقفها من مجمل العملية لحين عقد مزيد من المشاورات الداخلية، وعزت المجموعة قرار المقاطعة جراء تمترس المؤتمر الوطني خلف موقفه الرافض لأي حديث عن التأجيل، بجانب تلكؤه في إنفاذ الاتفاقات المبرمة، ووقوفه حجر عثرة في طريق إيجاد حلول ناجعة لأزمة دارفور، بصورة تضمن مشاركة أهل الإقليم في إختيار من ينوب عنهم، ولم ينس التحالف أن يصوب سهامه لجسد المفوضية القومية للانتخابات، بإعتبارها أحد أركان مسبباته للمقاطعة، من خلال تجديد إتهاماته لها بعدم النزاهة والحيادية، مطالباً إياها التنحي لصالح أخرى تتسم بالقومية وتحوذ رضا الجميع. الاجماع الذي أكد قادته مرارا وتكرارا، تبنيهم لكل مخرجات إجتماع الخميس، تفرقت عصيه، بإعلان أحزاب المؤتمر الشعبي، والتحالف الوطني السوداني، والمؤتمر السوداني، مشاركتهم في الانتخابات بمستوياتها كافة، وإن كان تعبير كافة هنا لا ينسحب على حزب المؤتمر السوداني، الذي تخلو حقائب ترشيحه من مستويات الرئاسة والولاة. وكان حزب د. حسن عبد الله الترابي (المؤتمر الشعبي)، استبق إجتماع رفاقه في قوى الاعلان، بتأكيدات مغلظة عن مشاركته في الانتخابات -على هناتها- بالرغم من التصريحات المتناثرة هنا وهناك وتشير إلى نزوله عند قرارات قوى الإجماع. موقف الشعبي، أرجعه د. سليمان حامد مسؤول الانتخابات بالحزب، في حديثه مع (الرأي العام) الى قناعتهم بأن ولوجهم أتون الانتخابات، قادر على تلميعهم، لدرجة خطف البريق من حزب المؤتمر الوطني، وسحب بساط السلطة من تحت قدميه، وهو أمر لا يتأتى بالطبع مع المقاطعة. ولمزيد من التفسير قال سليمان أن مقاطعة الانتخابات تعني إستمرار النظام القائم، ما يتعارض وأهداف حزبه في إحداث درجة من التغيير. ثاني الأحزاب التي قررت السير قدماً في الانتخابات هو حزب التحالف الوطني السوداني، الحزب برر مشاركته على لسان أحد قادته ضمن طاقم اللجنة التنفيذية (وطلب حجب اسمه لعدم الاختصاص)، على أنها جزء من المقاومة المدنية الجماهيرية، لصالح إزاحة المؤتمر الوطني، ونفى القيادي في اتصاله مع (الرأي العام) أن يكون التحالف شذ عن الإجماع، بإعتبار أن الحركة الشعبية والمؤتمر الشعبي إستبقا اجتماع التحالف، بإعلانهما مواقف أقل ما توصف به أنها تغريد خارج السرب. القيادي بالتحالف السوداني قرر أن يختم مرافعته عن حزبه بإشارته لرضوخهم للمعادلة الطبيعية للانتخابات في العالم، معادلة تفترض إستماتة المعارضة لأجل معرفة رأي الشعب، في مقابل إبطاء الحكومات في خطوات إحداث التحول الديمقراطي المنشود، وقال في كل الدنيا تقاتل المعارضة لأجل قيام الانتخابات، وأضاف: لذا فإن موقف قوى الإجماع بالمقاطعة كان مثاراً لدهشتنا. حزب المؤتمر السوداني - هو الآخر- درأ عن نفسه تهمة شقه لثوب التحالف، وعلل مشاركته إمتثالاً لرغبة عضويته، رغبة قال مالك أبو الحسن نائب الأمين العام إنها ظهرت في مختلف مؤتمراتهم إبتداء من العام وإنتهاء بإجتماع لجان الحزب قبل يوم من موعد إعلان قوى جوبا، بمواصلة العدو في مضمار الانتخابات. وغسل أبو الحسن، أيادي حزبه من كل نقطة دم، يمكن أن يصلهم رشاشها، عبر ثغرة الإشتراك السياسي في طعن قوى جوبا في كعب أخيل، وأشار الى أنهم كانوا بصدد الاستجابة لأي موقف موحد كانت قوى الإعلان ستتخذه، ولو تعارض مع مواقف الحزب، ولكنهم نتيجة لفشل قوى الاجماع في إتخاذ موقف موحد، قرروا عدم الانتظار أكثر، ومواصلة المعركة. بيد أن مشاركة ثالوث جوبا في الانتخابات، تتعارض مع النداءات العديدة التي ظلت تطلقها قوى الاجماع عن عدم سلامة الإجراءات الفنية المتعلقة بمجمل مراحل العملية (منذ مرحلة الإحصاء السكاني وحتى مرحلة طباعة أوراق الاقتراع)، تعارض يبرز معه سؤال جوهري عن هل إنتفت الأسباب التي كانت تمنع تلك الأحزاب من خوض الانتخابات؟! الصحيفة توجهت بالسؤال لمالك أبو الحسن الذي أكد ان إعتراضاتهم لا تزال قائمة، غير أنه أوضح إستحالة قيام انتخابات سليمة بنسبة (100%) في ظل نظام وصفه بشبه الشمولي، وأعلن أبو الحسن عن رضاهم بنسبة سلامة تفوق ال (60%)، وقال: كمعارضة علينا إكمال الناقص، فهذا دورنا، وأردف: لا يوجد تزوير كامل، توجد رقابة منقوصة، وهي إشارة لإعتمادهم في سلامة الانتخابات على الجهات المراقبة في شقها الحزبي والمحلي والعالمي. ذات التبرير ساقه كمال عمر - الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي لهيئة الاذاعة البريطانية (بي بي سي) كامتداد طبيعي لتبريرات أبو الحسن، عمر نعت مشاركة حزبه في الانتخابات، بالواجهة الزجاجية التي من خلالها سيتمكن الجميع من فضح أية محاولات للتلاعب أو تزوير نتيجة الانتخابات. وبالانتقال إلى نقطة أخرى، يعلق مراقبون موقف أحزاب الشعبي والتحالف والسوداني، بالمشاركة في الانتخابات، في مشجب الانتهازية، ويتهمون الثالوث بالطمع في حصد أصوات الأحزاب المعارضة، التي قررت الإنسحاب عن مباراة أبريل. وهو أمر نفاه المصدر المنتمي للجنة المركزية بحزب التحالف السوداني بالتشديد على أن مشاركتهم ليست بوليدة اليوم، وإنما مشاركة ضاربة الجذور، شملت كل مراحل الانتخابات، ولذا فإنه ومن الطبيعي تتويج تلك المشاركة بالخطوة الأخيرة، المنافسة على أصوات الناخبين. وفي ضفة ثانية، يرى بعض المراقبين، في حراك قوى أحزاب جوبا في شتى الاتجاهات، مسرحية كبيرة، الهدف منها تطمين المؤتمر الوطني، ومن ثم الإجهاز عليه في مرحلة التصويت بالالتفاف حول مرشح اوحد وفقاً للنظرية التي يملك حقها الفكري والأدبي السيد مبارك الفاضل. ولكن يبدو واضحا ان هذه الرؤية تفتقر الى بعد النظر. وعن الوجه المظلم للانتخابات الجزئية، تحدث فاروق أبوعيسى رئيس هيئة قوى الإجماع الوطني لقناة العربية، محذراً بأن قيام الانتخابات في ظل حالة الانقسام التي تعانيها الساحة، وحالة الاستقطاب الحاد بين أحزابها، سيكون مدعاة لإندلاع الحرائق، وهو حديث تكفل بدحضه جزئياً د. سليمان حامد باستبعاده قيام قوى المعارضة بأي أعمال للعنف أو الشغب عند توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع، لكنه ربط بين حدوث العنف والمؤتمر الوطني بصورة مباشرة بالقول: حال خسر الوطني الانتخابات فإن عضويته ستلجأ للعنف. وأختار د. معتصم أحمد الحاج مدير مركز محمد عمر بشير للدراسات السودانية إخضاع مواقف أحزاب قوى جوبا التي قررت المشاركة في الانتخابات، للتمحيص الأكاديمي، د. معتصم أكد ضعف تلك الأحزاب، وأرجع ذلك لنشأتها تحت ظل نظام الانقاذ، وأشار الى أن حالة ضعفها تتمظهر في حالة المعاناة المؤسسية التي تضرب بأطنابها. وبالرجوع لموقفها بالمشاركة، أوضح د. معتصم أن قرار ثالوث جوبا يصب فعلياً في صالح المؤتمر الوطني، الساعي لإكتساب الشرعية الدستورية عن طريق الانتخابات، وهو الأمر الذي قال إنه يشتم منه رائحة وجود صفقات خفية بين الحزب الحاكم وتلكم الأحزاب. ومما يبدو، فإن رفاق جوبا، المؤمنين ولوقت قريب بنظرية التشتيت، كآلية لإسقاط الوطني، فرقتهم السبل، فمنهم من قرر المشاركة، ومنهم من اختار المقاطعة، ومنهم من ينتظر، بعدما بدلوا كل التبديل.