سر الحظوة الكبيرة التي تمتع بها فواز داخل المركز رقم (10) بالديوم، وجعلته يجلس بأريحية في كرسى والده وكيل المؤتمر الوطني أثناء غيابه، يكمن في أنه الطفل الوحيد الذي يفهم في السياسة وإجراءات الانتخابات بالمركز، وربما في معظم مراكز تصويت محلية الخرطوم. عندما أتى فواز إلى المركز في أول أيام الانتخابات، كانت مهمته تنحصر في السير في ركاب والده وكيل الوطني، وشيئاً فشيئاً أخذ فواز يمارس صلاحيات والده أثناء ذهابه لهذا الشأن أو ذاك، وبحلول آخر أيام التصويت كان فواز قد أصبح رقماً يصعب تجاوزه داخل غرفة التصويت رقم (2) بالمركز، وأصبح ملك الأحاديث الجانبية التي تدور بين موظفي اللجنة ووكلاء المرشحين، الذين جعلت منهم الأيام الخمسة التي قضوها معاً أكثر تفاهماً وانسجاماً، فيما أصبح فواز، محور الاهتمام الأول بلا منازع. حظوة فواز، أو سطوته ربما، لها أسرار أخرى غير أعوام عمره الستة عشر، فالطفل في الواقع يقوم بتوفير الشاي لموظفي اللجنة ووكلاء المرشحين عند الطلب، ويتدبر أمر الحصول على الشاي من خيمة المؤتمر الوطني خارج المركز، ويتولى نقله بنفسه إلى الداخل، لكن مصدر نفوذ فواز الأكبر هو تبرعه بين حين وآخر بالساندويتشات، ويقول بنوع من الفخر: (تبرعت للجنة في اليوم الرابع بثلاثين ساندويتش). ساندويتشات فواز، أو المؤتمر الوطني بالأحرى، لم تكن كافية لجعل موظفي اللجنة ووكلاء المرشحين يغضون الطرف عن تجاوزاته وألاعيبه الصغيرة، فقد اعتاد فواز اقتياد مؤيدي الوطني من خيمة الحزب إلى مكان التصويت، وهو يحمل بين أصابعه (استيكر) التسجيل الخاص بهم، ويمده للموظف، لكن وكلاء الأحزاب يقفون في وجهه، ويطلبون منه ترك الناخب ليتصرف وحده، يدعمهم في ذلك الاعتراض موظفو اللجنة. رغم ما يصفه بعض وكلاء المرشحين ب(أساليب فواز الفاسدة)، لكن ذلك لم يمنعهم من إدمان مداعبته والحديث إليه كلما سنحت فرصة، وفي الأوقات التي تخلو فيها اللجنة من الناخبين يسأل بعض الوكلاء الطفل الذي يقيم في السجانة لكنه امتحن للشهادة السودانية هذا العام من مدرسة في حي العمارات: (طلاب العمارات بحشو في الفطور شنو)..فيجيب فواز وعلى شفتيه ابتسامة لا تخلو من مكر: (زي سندوتشاتنا دي...فول وطعمية..!!).