ذا سيتزن الإقتصاد السوداني خلال فترة ما بعد الإنتخابات في عموده المقروء «وجهة نظر اقتصادية» كتب الاقتصادي محمد رشاد تحت العنوان أعلاه أن نتائج الانتخابات وسلوك الفائزين وقبول المجتمع الدولي سوف تحدد مسار الاقتصاد السوداني لفترة ما بعد الإنتخابات حتى موعد إجراء الاستفتاء على تقرير المصير لجنوب السودان. كما أن مخرجات الانتخابات ستؤثر على نتائج الإستفتاء، والمجلس التشريعي المنتخب لجنوب السودان سوف يقرر مصير الجنوب إذا ظهرت أي معوقات تعيق إجراء الاستفتاء في الوقت المحدد. ومن المهم ان تسفر الانتخابات في خلق حكومة مصالحة وليس حكومة مثيرة للجدل مثل تلك الحكومة التي ظلت تحكم البلاد خلال السنوات الخمس الماضية. نريد حكومة تنفذ بنود إتفاقية السلام الشامل مثل ترسيم الحدود وحدود أبيي والمشورة الشعبية واتفاق حول مياه النيل وحول الديون الخارجية والنفط والعلاقات بين الشمال والجنوب في حال الانفصال. وإذا لم يتم الإيفاء بالشروط المسبقة وإذا لم تتضح الرؤى فإن هذه الحال من الغموض سوف تكون مهيمنة على مستقبل الاقتصاد السوداني ولن تخاطر الاستثمارات الخارجية بالمشاركة في الاستثمارات السودانية، والسحابة الحالية من الغموض يجب ان تنقشع ولابد ان يتوصل الشمال والجنوب الى قرار بشأن مصير السودان. ويجب ان تكون الحكومة الجديدة عقلانية وواقعية وذات شفافية وعلى دراية بأهمية الاقتصاد في حالتي الوحدة أو الانفصال. والانهيار الاقتصادي قرين الانهيار السياسي، وبالإضافة الى ذلك فإن عدم الاستقرار أكبر مهدد لأي اقتصاد، فليس هناك بديل للسلام. سودان فيشن تصويت من أجل الوطن أوردت الصحيفة في افتتاحيتها وتحت هذا العنوان بأنه بعيداً عن لغة الفائز والخاسر في الانتخابات السودانية الحالية فإن اليوم شهد أول خطوة عملية تجاه التحول الديمقراطي من مرحلة انتقالية صوب الاستقرار حيث يوجد تغيير مهم وغير مسبوق في البلاد. والانتخابات من هذه الزاوية سوف تشكل معالم سودان جديد من الرأس الى القدم، فلأول مرة في حياتهم السياسية صوت السودانيون لانتخاب رئيس للجمهورية في انتخابات مباشرة من الشعب بخلاف التجارب البرلمانية السابقة التي كان اختيار رئيس الحكومة عبر كتلة الأغلبية البرلمانية. ومزايا النظام الرئاسي أنه يسد الثغرة التي تظهر منها فوضى النظام البرلماني. وكانت الحكومات خلال النظام البرلماني السابق معرضة الى كثير من حالات الهبوط والصعود وخير مثال لذلك حكومات الصادق فيما يسمى بالديمقراطية الثالثة إذ لا أحد يستطيع ان يحصي عدد الحكومات التي شكلها الصادق المهدي خلال ثلاث سنوات فقط. أما في النظام الرئاسي الذي اقترع فيه السودانيون خلال الأيام الماضية لاختيار رئيسهم فإن الرئيس المنتخب سوف يكون بوسعه ان يشكل حكومته دون أي خوف من مواجهة أعضاء البرلمان الى جانب حصوله على سلطات لم تكن متوافرة لرئيس الوزراء خلال النظام البرلماني. وقد أكمل السودانيون ممارستهم الايجابية المميزة بتمكين المرأة التي يحترمونها ويقدرونها بعد أن تم تخصيص «25%» من المقاعد لها. وبذلك يتسنى دحض اتهامات الجندر الصادرة من جهات خارجية تتاجر بقضايا المرأة. وقد صوت الجنوبيون لاختيار رئيس لحكومة الجنوب بسلطات وصلاحيات واسعة، كما شاركوا في اختيار الحكومة التي تراقب وتدير عملية الاستفتاء لتقرير المصير. والى جانب التصويت للأفراد والأحزاب فان السودانيين قد أدلوا بأصواتهم في المقام الأول من أجل بلدهم. وليست المشاركة الواسعة من الناخبين وإقبالهم الكبير على مراكز الاقتراع سوى دليل على أن السودانيين يدركون تماماً أهمية التحول الديمقراطي. وبالنسبة لمن قاطعوا الانتخابات فإنهم سوف يواجهون تحدياً صعباً لأن إكمال العملية الإنتخابية ومتطلباتها يعتبر هزيمة لمقاطعي الممارسة الانتخابية. خرطوم مونتر الحاجة الى كلمة سواء جاء في افتتاحية الصحيفة أنه لا يوجد أي شك بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم سوف يكسب على نحو أحادي الانتخابات الحالية. وبالطبع لا ينبغي إطلاقاً ان يدهشنا شيء من هذا القبيل ذلك لأن الأحزاب السياسية ذات الوزن الثقيل قاطعت هذه الانتخابات. ولذلك ما أن يحصل حزب المؤتمر الوطني على النصر المتوقع، عليه ان يشرع على الفور في مفاوضة أولئك الذين لم يشاركوا في العملية الانتخابية بسبب مقاطعتهم لها أو أولئك الذين هزموا في الانتخابات. ومثل هذا العمل ليس بالغريب على العالم بل مارسته العديد من الدول في شتى أرجاء العالم وعلى نطاق واسع ومن بينها جنوب افريقيا ولبنان اللتان وجدتا أن ذلك عظيم الجدوى في حل المشاكل الشائكة وعلى وجه الخصوص تلك المشاكل ذات الطبيعة السياسية والتي تشابه تماماً مشاكلنا هنا في السودان. فعلى سبيل المثال وبالرغم من النصر المؤزر الذي حققه حزب المؤتمر الوطني الافريقي في جنوب افريقيا في حقبة ما بعد الفصل العنصري فقد توصل الى إتفاق يسمح حتى للمعارضين «أعداء الأمس» بالمشاركة في الحكومة الديمقراطية الجديدة. فقد أفسح المجال للضحايا الذين كانوا يمارسون القهر عليهم للمشاركة في إدارة الحكومة الجديدة. أما بالنسبة للبنان فقد استطاع حزب رئيس الوزراء سعد الحريري أن يحرز نصراً غير مسبوق في الانتخابات. وبالرغم من كل ذلك كان الحريري زاهداً في تشكيل حكومة من عضوية حزبه وحدها. فلماذا حدث ذلك؟ لقد حدث ذلك بسبب بُعد النظر. فقد خرج رئىس الوزراء اللبناني بمعادلة من شأنها ان تجبر الخواطر بإشراك كل المكونات السياسية. ولقد بذل الحريري جهداً كبيراً طيلة أربعة أشهر أسفر في نهاية المطاف عن تحقيق الإجماع المنشود الذي تجلى بوضوح في تشكيل حكومة ديمقراطية جامعة، ونتيجة لذلك غدا لبنان يتمتع بالسلام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. وبإختصار فإنه يمكننا القول إن معادلة «الفائز والخاسر» لم نقصد بها نحن كدول نامية ولكن أساساً لأولئك الذين يعيشون في العالم المتقدم الذي ينعم بديمقراطية مكتملة الجوانب حيث يتقبل كل فرد هناك الانتصار أو الهزيمة بصدر رحب. ومما يؤسف له انه ليس بوسعنا ان نرتقي لهذا الإتجاه المتقدم. ولهذا يكفينا في الوقت الراهن ان نبدأ بمعادلة الاجماع التي تمت ممارستها بنجاح في كل من جنوب افريقيا ولبنان. وبكل تأكيد نحن كمواطنين سودانيين معنيين بهذا الإتجاه المنتصر للتغلب على خلافاتنا بصفة نهائية. والآن كل الأنظار تتجه صوب حزب المؤتمر الوطني باعتباره أوفر المتنافسين حظاً في هذه الانتخابات. فحتى إذا قدر له أن يفوز بنسبة «100%» يتوجب عليه أن لا يحيد عن السبيل القويم من الإجماع الذي حققته جنوب افريقيا ولبنان. فقد كان ذلك الإجماع أشبه بالعصا السحرية التي أخرجت كلا البلدين من الأوقات العصيبة. ومن المؤكد أن مشاكلنا لن تكون عصية الحل إذا اتبع معها نهج الوفاق والإجماع.