بعد ساعات حبس فيها الكثيرون انفاسهم خوفا من بركان سيفجره الفريق مالك عقار اذا لم يفز بمنصب والي النيل الازرق، جاء خبر فوزه فكان اشبه ب(قبلة الحياة) لهم ولعقار نفسه ولمستقبله السياسي. بعض الذين عبروا عن ارتياحهم لفوز عقار- من غير اعضاء الحركة الشعبية- كانوا ينظرون الى ان البديل لخسارته هو فوضى ستعم منطقة النيل الازرق وتعيدها الى دائرة الحرب مرة اخرى، لأنه وفق تصوراتهم فإن مالكا قد جيش جيوشه وحسم امره على(الهجمة) جزاء للناخبين اذا لم يختاروا النجمة وهي شعار الحركة الشعبية ورمز عقار الانتخابي. وبدا عقار سعيدا بالنصر على المستوى الشخصي وعلى المستوى الحزبي داخل الحركة الشعبية، شخصيا بات عقار حاكما للولاية برضا المركز ومباركته بعد ان كان حاكما رغم انف الخرطوم على بعض اجزائها تحت مسمى حاكم الانقسنا، كان ذلك خلال فترة التمرد الذي التحق به العام1985، ولم تتعد المهام الموكلة اليه- على عادة الحكام الذين تعينهم قيادة الحركة- سوى قيادة الجيش الشعبي في المنطقة ومحاولة التأسيس لحكم مدني فيها. على المستوى الحزبي لم يخسر عقار شيئا بتصريحاته الصحفية التي رد فيها على باقان اموم الامين العام للحركة بشأن عدم مقاطعة الانتخابات في الشمال، حتى ان باقان اموم (الطرف الآخر في معادلة التضارب) اعلن ان الحركة الشعبية تجاوزت ذلك التباين الشهير في المواقف والتصريحات. مكانة عقار داخل الحركة من الواضح انها ستتعزز اكثر بعد فوزه، والسبب هو ان المنصب الذي تبوأه يعتبر اكبر برهاناً على صدق نظرية جون قرنق حول الهامش، وضرورة الاستعانة بالمكونات الأثنية من النيل الازرق وجبال النوبة كامتداد للعنصر الجنوبي لتحقيق مشروع السودان الجديد. من هذه الزاوية فإن فوز عقار يمد الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني (ايضا) بوقود اضافي للمعركة بينهما على منصب الوالي في ولاية جنوب كردفان.. فوز عقار يفتح شهية الحركة للاجهاز على الوطني في الموقعة الولائية الثانية (الخاصة)، وفي ذات الوقت يمثل اكبر دافع للوطني لتحقيق التعادل من جهة، ولدحض نظرية الهامش اعلاه من الجهة الاخرى. بنظرة اكثر تفاؤلا يقول بعض المتابعين انه ينبغي تكييف النصر الذي حققه مالك على انه رافد جيد وغير مباشر لوحدة السودان التي سيصوت عليها الجنوبيون مطلع العام القادم.. شعور الجنوبيين بالمكانة المتدنية سيضعف عما كان عليه وهم يرون احد قيادات الحركة يحكم ولاية شمالية.. ضعف الشعور بالوضع المتدني سيحوَل اصوات عدد غير قليل من الجنوبيين لصالح الوحدة عند الاقتراع على الاستفتاء، وقبلها سيزعزع من قناعتهم بنجاعة الانفصال كخيار. الجدل الذي دار حول نزاهة الانتخابات كان من الطبيعي ان ينزل بساحة النيل الازرق، ويطعن في نظافة الارقام التي حصدها مالك، واتسعت دائرة الجدل عند بعض منسوبي الوطني لترسم شكا في النتيجة، وبعضهم آثر الاستشهاد بالآية (قل هو من عند أنفسكم) للاشارة الى عملية الربكة في السحب والترشيح التي قام بها الوطني لكرمنو وفرح عقار، ولنزيف الأصوات بفعل ترشح باكاش طلحة كمستقل.