لم يَكن الخامس والعشرون من أبريل الجاري يوماً عادياً لأهل دارفور، فمنذ أن تم الهجوم الذي أُودي بحياة (75) شخصاً وحَرَقت الطائرات بمطار الفاشر ذات 25 أبريل قبل سبع سنوات تقريباً، ارتبط هذا التاريخ برائحة البارود غير المحببة واكتسب خصوصية بفعل ما لحق بالإقليم بسبب ذلك من مَوتٍ وخَرابٍ ودَمارٍ بعد أنْ ألقى بظلاله على مجمل الأوضاع في ولايات دارفور، وشماليها على وجه التحديد. غير أنّ ولاية شمال دارفور، شَقت طريقها بعد كَثيرٍ من رهق الحرب طوال السنوات الماضية إلى محطات التعافي، فقد كُنّا هناك يوم أمس الأول الإثنين 26 أبريل، الموافق اليوم الأول للسنة الثامنة من حرب دارفور. أما المناسبة التي جَعلت الكثير من الإعلاميين والمبدعين يهبطون إلى مطار الفاشر يومها، فهي المشاركة في احتفالات المؤتمر الوطني بفوز الرئيس عمر البشير، والوالي عثمان محمد يوسف كبر.. هذا من الناحية الظاهرية على الأقل، أما ما استوجب الاحتفال حقيقةً، فكان هو انتقال دارفور في توقيتٍ بالغ الدلالة، من مَنَصّات الحرب إلى مَحَطات الاستقرار والتحول الديمقراطي، أو هكذا يأمل البعض، بعد أن مَرّت الإنتخابات في دارفور على نحوٍ لم يكن يتوقعه أكثر المتفائلين من مراقبي الإنتخابات والإعلاميين الأجانب الذين نشطوا في استجلاب أجهزة بثهم لرصد عنف الإنتخابات المحتمل، فَعادوا بخفي حنين وبغير القليل من الحديث عن الأخطاء الإدارية والفنية وأشياء من هذا القبيل لم يكن من بينها ما يطفئ ظمأهم من أخبار تفرد حيّزها على صدر نشرات الأخبار. الآلاف من مواطني شمال دارفور، توافدوا عقب ساعة أو إثنتين من إعلان فوز البشير بالرئاسة إلى استاد النقعة الفسيح بالفاشر للتّعبير عن فرحهم بذلك الفوز، وبفوز واليهم المنتخب كبر حَيث تَبَارَى المتحدثون في امتداح الرجلين والتعبير عن فرحتهم بالفوز بصورة قد يكون من غير المهني نشرها. وفي الاستاد، نُظم لقاءٌ جماهيريٌّ حاشدٌ تَحَدّث فيه كثيرون، وفي خاتمته، تحدّث والي شمال دارفور الجديد والقديم في الآن ذاته عثمان كبر الذي تحَدّث عن اكتساح المؤتمر الوطني على نحو قارب الغرور، إلاّ أنّه عاد ليقول إن هذا ليس بطراً أو اختيالاً وإنما المقام مقام عرفان لمواطني الولاية التي صنعته. أبرز ما استدعي الوقوف عنده في والي شمال دارفور تعهده بالمساواة والعدل بين الجميع، وأن يكون أباً لمن صَوّت له ومن لم يُصوِّت. وتَرتيبه للأولويات التي تنتظر حكومة الولاية على نحو ممرحل ووفق برنامج مستقبلي بدا واضحاً. ومن القضايا التي فَرضت نَفسها بقوة هي قضية الأمن، حيث أشار إلى أنّهم سيعملون في المرحلة المقبلة على بسط هيبة الدولة وسيادة حكم القانون وبسط الأمن في جميع أرجاء الولاية كأولوية تدفع الخُطى في اتجاه تحقيق سلامٍ دائمٍ.. ويأتي السلام كأولوية ثانية بعد الأمن، وذلك منْ خلال دعم مساعي الوصول إلى سلام في الولاية. والناظر إلى الواقع الأمني الذي فرضته الحرب بشمال دارفور في السنوات السبع الماضية، يلحظ انعكاسه عَلَى تردي الخدمات، فرغم الجهد الذي كان يبذل بين الحين والآخر، إلاّ أنّ مستوى الخدمات كان دون طموح المواطن، وبالتأكيد أقل مما يَستحق. وتفرض مشكلة المياه الحادة بالولاية نفسها كجند أولى للحكومة المقبلة بالولاية، فقد وعد كبر بحل هذه المشكلة في العام الأول للحكومة. ثم حل قضية التعليم الذي يعاني من مشاكل هناك رغم التوسع الأفقي فيه، فما زالت هناك إشكالات عصية على الإنكار في بيئة المدارس وكتبها وإجلاس طلابها، مشاكل قال والي الولاية إنها ستجد الكثير من الاهتمام ومثل ذلك من الحلول. ويلي قضية التعليم، الاهتمام بقضية الصحة، حيث تُوجد حاجة لتوسيع مظلة التأمين الصحي وتَوطين العلاج بالولاية وحاجة ملحة لتوفير قابلة أو إثنتين في كل قرية حسبما قالت لي إحدى النساء في ذلك الاحتفال. ورغم خصوصية مشاكل ولاية شمال دارفور، إلاّ أنّها تلتقي مع بقية ولايات السودان في مشاكل أخرى يحتاج حلها إلى دعم مركزي فيما يبدو، ومن ذلك قضايا البطالة التي فاقمها الوضع الأمني. وقضية (قُفة الملاح) ومعاش الناس في الولاية التي تكتوي بنيران العطالة من جهة، وبنيران إرتفاع الأسعار بسبب انتشار المنظمات هناك من جهة أخرى. طريق الإنقاذ الغربي الذي أضحى لعقد من الزمان مثل (حجوة أم ضبيبنة) كان محور تساؤل مهم مع والي الولاية الذي قال بصراحة إنه لا يجد عذراً للحكومة في أن لا تنجز طريق الإنقاذ الغربي في المرحلة المقبلة. ومهما يكن من أمر، فإن عبور ولاية شمال دارفور مرحلة الإنتخابات دونما عنف، والتهدئة الأمنية التي سادت الأوضاع إبانها بالتزامن مع الحراك الإنتخابي الذي شهدته وأفضى إلى النتائج التي تم الإحتفال بها أمس الأول، يوفر حيثيات موضوعية للتفاؤل بغدٍ أفضل، غنى له فى ذلك الاستاد فنانون جاءوا من الخرطوم وأحالوا ليل الفاشر إلى