في الولع العالمي باحصائيات أغنى أغنياء العالم.. وبلاد العالم ومدن العالم.. خرجت احصائية تضع دمشق ضمن أغنى عشر مدن في العالم.. فأصابت الدهشة الناس.. حتى خرج وزير المالية السورى الى الفضائيات مشككاً في دقة الاحصائية.. ولا أدرى لماذا سارع الوزير بالتشكيك في الاحصائية.. هل هنالك تبعات اقتصادية أو سياسية تترتب على ذلك الغنى.. أم يريد الوزير أن يكف العين ويتقى شر الحاسدين.. أم سيزيد عليه التقرير سقف احتياجات المواطن الدمشقي فيطالب بحسب ان مدينته من أغنى مدن العالم.. أم خاف من المحاصرة بالأسئلة: طيب بتودي القروش وين؟! بدون الرجوع الى احصائيات يمكنني التقرير بأن مدينة الخرطوم من أغلى خمس مدن في العالم.. ففي بعض مدن الخرطوم بلغ سعر المتر مائة ألف دولار.. وهذا أغلى متر في مدن العالم.. ان صح تقديرى.. من أين جئت بهذه المعلومات؟ قلت لكم من قبل اننى «عدم موضوع مني ساكت» أشاهد القنوات العقارية والتجارية.. فأقارن بين المعروض في أغنى مدن العالم العربي وفي الخرطوم «والقى الفرق شاسع».. طبعاً بالرجوع الى الدولار.. فلم اعتد بعد على التضريب باليورو.. وبمناسبة التضريب «باليورو» وفي منتصف السبعينات كنت متعاوناً راتباً مع الاذاعة.. وكنت تحت شجرة النيم الضخمة في مواجهة البوفيه القديم وشرق مبانى الموسيقى والصراف كثيراً ما أقابل النجوم الكبار وكنت في ونسة عميقة مع خالد الذكر «اسماعيل خورشيد» فتطرق الحديث الى أجور المتعاونين.. اذ كنا حين بدأنا التعاون ننال عن البرنامج عشرين جنيهاً بعد خصم ضريبة عشرة بالمائة.. وكان قبل ان يترك التعاون في اعداد البرامج ينال أجراً ثلاث جنيهات فقلت له: هل هذه قفزة كبيرة؟ قال: لا.. ثم ابتسم ابتسامة ممراحة وقام بتضريبها ليس بمعيار الدولار، فآنذاك لم يكن الدولار «ملك التغطية».. ولكن بالسلع التي كنت تشتريها زمان بثلاثة جنيهات.. يعني مثلاً كيلو لحمة.. وفواكه.. وسكر.. وشاي و.... و.... بحيث كانت أسعار تلك السلع التي تشتريها بثلاثة جنيهات لا تستطيع ان تشتريها في زمن الونسة - بأقل من ثلاثين جنيهاً.. البعض يقول جنيه زمان أو قروش زمان فيها الرحمة.. حقيقة الرحمة لم تكن في القروش كانت في قلوب الناس.. كان السوق رحمة.. والتجار في قلوبهم رحمة مع ملاحظة ان معظمهم كانوا اجانب «شوام - أرمن - هنود - يمانية»، فالقروش هي القروش لا علاقة لها بالرحمة.. الرحمة في من يستخدم القرش وشتان بين الذى ينميه والذى يصرفه.. الخرطوم أغلى مدن العالم حتى ناسها «اصبح العندو قرش يساوى قرش» حتى فنونها الغناء اصبح غالياً.. اذ اصبحت الأغنية نمسكا من «المنطقة الفلانية» ويغني المغني للأحياء.. الختمية.. الشعبية.. الصافية.. الأملاك وقد يحليها بأن يقول ناس «الحتة الفلانية» بتحبوا.. وناس الحتة العلانية بخشوا للزول في قلبو.. بل ثمة من يغني اضربني بمسدسك املاني أنا رصاص فأصبح لا فرق بين الأغنية والانقلاب العسكري الفاشل.. الخرطوم أغلى مدينة، فكي «تعرس» فيها مثلاً.. فأنت ينبغى ان تقدم قولة خير وتعمل خطوبة وعقد قران.. وحفلة في نادي.. وتولم الولائم بينهم.. فيكلفك الزواج ما لا يقل عن عشرين الف دولار.. اذاً فهذا أغلى عرس في العالم.. الخرطوم فيها أغلى خضروات وفاكهة لأنها في كل العالم مدعومة حتى تقل أسعارها.. بل تدعم الدول المزارع قبل ان يبيع تعطيه ضعف ما انفقه.. فحين يبيع يكون قد ربح زماناً وانتهى اذاً الخرطوم فيها أغلى صحن سلطة «لو خضروات أو فواكه».. الخرطوم يا غالية علينا.. كما ان الخرطوم فيها أرخص أغلى أدوات كهربائية وتوصيل مياه.. قول لي كيف؟ اقول ليك انت بتشتري البضاعة الآسيوية.. ماسورة مثلاً تلقى الماسورة ماسورة.. سرعان ما تتعطل وتحلج فتجيب غيرها.. اذكر ان المواسير زمان ترثها الأجيال.. فماسورة بيتنا الكبير هي نفسها التي ركبناها مع بناء البيت في أوائل الستينيات.. كذلك اللمبة.. أصبحت من الضرورات اليومية فتشتري اللحمة والخضار واللمبة.. لأنها لا تصمد اكثر من يومين تلاتة.. في النهاية الخرطوم غالية.. غالية علينا جداً..!