فى زمن الصحافة الحديثة التى تسندها تقنية رقمية تبدّلت العلاقة بين الكاتب و القارئ فلم يعد ما يجمع الكاتب بالقارئ علاقة مكان دائما ... فعلاقة المكان صارت علاقة مكانية افتراضية... بات الكاتب لا يدرى بأى أرض يكتب ... و غدا القارئ لا يدرى من أىّ أرض يقرأ! مثال على ذلك هو أن يكتب كاتب صحافى من نيكاراجوا فى صحيفة تصدر من هندوراس و تطبع فى السلفادور ليقرأها قارئ فى اكوادور! و مع ذلك فانّ الفرق بين صحافة يجمع المكان فيها بين الكاتب و القارئ و بين صحافة تقوم على علاقة مكانية افتراضية بين الكاتب و القارئ فرق حيوى ... هو فرق فى النكهة و ليس فى الفلتر ... فمثلما يعيش بعض الناس خارج أوطانهم يعانون من فراق الوطن كذلك يعانى العمود الصحفى حين يسافر عن الوطن فيعانى فراق الأوطان ... فهو يكتب فى هواء غير هوائه و لذلك يخرج العمود يفيض بالحنان و الحنين أو ظاهرة فراق الوطن !(Home Sickness) فى الصحافة المهاجرة يكتب الصحافيون من الخارج و لذلك فهذه الصحافة لا تحتاج الى كشف عن فراق الأوطان ... فهى صحافة لجوء سياسى أو لجوء اقتصادى ... و لذلك من العسير الكشف عليها لقياس مقدار جرعة فراق الأوطان الكامن فيها ... لكن يسير جدا اكتشاف كاتب مهاجر عن وطنه يكتب فى صحيفة تصدر فى الوطن... فكاتب هاجر قبل أسابيع من السهل جدا الكشف على مقاله و هو يكتب فى قضايا الوطن بمقارنة ما كان يكتبه بداخله و حينما صار بخارجه ! الكاتب الذى يكتب من خارج السودان مهما تذاكى لا يستطيع تمرير مقاله الذى كتبه خارج الوطن أو حين كان غائبا عنه فالقارئ الذكى بمقدوره اكتشافه بكاشف !Home Sickness كتبت هذا العمود أحيانا كثيرة للسودان و أنا خارجه ظانا أننى أكتبه كأننى بالسودان ... و حين أقرأه استقبله استقبال المبتعد عن السودان ... و لذلك فى هذه المرّة أجد نفسى مضطرا لأرفع يدى و قلمى للاعتراف للقارئ الذكى بأننى لأسابيع ثلاثة أكتب من خارج الوطن ... أقّر بذلك أنا الموقّع أدناه خوف الفتنة فى العلاقة بين الكاتب و القارئ !!