فى سنواتٍ خَلَتْ وأدبرت ظروفها كانت الصحيفة السودانيّة التى تصدر بالخارج وتطارد وتصطاد الشئون السودانيّة من دول منشأ أخرى, هى الصحيفة المرغوبة التى يذعن لها قانون الطلب فى الأسواق السودانية وفى الأسواق المحيطة بها فى دول الجوار التى تمتلئ بالقرّاء السودانيين... كانت نقطة قوّة تلك الصحف أنّها تصدر بالخارج، فتستطيع نشر ما لا تنشره الصحف التى تصدرها مطابع الخرطوم... كانت صحيفة الخارج السودانيّة فى عيون بعض القراء هى ضمير السودانيين المُهاجر! ودارت الأيام دورة كاملة أو ربّما غير كاملة وارتخت عضلات تلك الصحف... بل انّ واحدةً منها عادت إلى السودان فصارت أقل الصحف السودانية توزيعاً أفقياً وتأثيراً رأسياً بعد أنْ كانت أعلاهم توزيعاً وأوسعهم إنتشاراًً... بل ربُما نسى البعض أنّ هذه الصحيفة فى قائمة الصحف التى على قيد الحياة الصحفيّة! بين المرحلتين حيثيات... كانت الأخبار الواردة من الخارج فى مرحلة تسير فى إتجاه غير إتجاه الأخبار الصادرة، فمالَ ميزان الصحافة لصالح صحافة الوارد, ثمّ تغيّر المناخ العام فى مرحلة أخرى فمالَ الميزان لصحافة الداخل بعد أنْ صارت فى عين القرّاء أشد وطأًً واقوم قيلا! كان الرأى السائد أنّ أصدق من يكتب فى الشون السودانية هم من يكتبونها من (الديسك) الخارجى... وأشجع الصحفيين وأجرأهم مِنْ كُتّابها هم الذين يكتبون من المنفى إلى الوطن, وليس الذين يكتبون من الوطن إلى المنفى! الآن مع تبدّل المعادلات الصحفيّة فإنّ أشهر من يكتبون عن السودان هم كاتبو الداخل وليس كاتبو الخارج, وأصدق كتابات عن السودان هى التى تحررها صالات تحرير الدخل... و(أشجع) الكتابات هى التى تُكْتَب من داخل السودان ليقرأها سودانيّو الخارج! كاتب الداخل الذى تضطره ظروف السفر أحيانا للكتابة من الخارج إذا وضعَ ما يكتبه بالداخل وما كتبه بالخارج للمقارنة يتفاجأ بأنّ درجة حرارة ما يكتبه بالداخل أعلى ممّا كتبه من الخارج... تغيّرت سُنن الصحافة فتَغيّر إتجاه اللجوء الصحفى... أصبح الصحافى السودانى الذى يحرص على قيمته وجمهوره ونَسَبه الصحفى هو مَنْ يطلب اللجوء الصحفى إلى السودان!!