قل ما تشاء عن قطر ، وأن فيها قاعدة عسكرية أمريكية وأنها تتعاطى نوعاً من التواصل الدبلوماسي مع إسرائيل يختلف أو يتفق مع مسوغات السياسة القطرية في هذا الأمر ، وكثير من مكونات العالم العربي فعلت ما فعلت قطر، حماية لمصالحها في هذه اللحظة التاريخية ، حيث ينقض النظام العالمي على العالم العربي لينهب موارده ويؤكد هيمنته وسيطرته . وإن دفعت الضرورة قطر للتعاطي مع الشأن السياسي العالمي بما رأته يتوافق مع مصالحها ، إلا أن قيادة قطر من ناحية أخرى أثبتت أن ضميرها يتفاعل مع كل قضايا العالم الإسلامي ، فها هو أمير قطر الشيخ حمد يزور جزءاً منسيا ومهملا من العالم الإسلامي وهو جزر القمر ، الدولة الصغيرة التي بحسابات السياسة والاقتصاد تظل عبئاً على قطر وتحتاج لكل شيء، ودخول قطر على جزر القمر يعني دفع مسيرة التعريب والثقافة والتنمية في هذا البلد القابع في أطراف المحيط الهندي . وتأتي الزيارة تتويجاً لجهود قطرية لا تكاد تنقضي في معالجة قضايا العالم الإسلامي ، ابتداء من لبنان ،حيث كانت قطر وراء المصالحة وإعادة البناء والتعمير ، ثم رحلت الدبلوماسية القطرية إلى اليمن حيث كانت وراء أولى محاولات التوفيق بين الحوثيين والدولة اليمنية وقبل أن تنزف الدماء كثيرا . ثم كانت قطر وراء جهود مضنية ومتتابعة للإسهام في حل نزاع دارفور بابعاده الدولية والإقليمية والمحلية ، بل وقامت قطر بالتعهد بدفع مبلغ بليون دولار لتأسيس بنك دارفور للتنمية والتعمير. وكانت قطر حاضرة شعباً وحكومة في أحداث العدوان البشع على غزة. كما فتحت قطر منتدياتها وفنادقها للنخب العربية للحوار والتداول في قضايا العالم الإسلامي مثل قضية الصومال حيث لا تخطيء العين أعيان الصوماليين يتربعون في فنادق الدوحة في ضيافة غير منقطعة ، وظلت قطر وحدها تتواصل مع الصوماليين المستضعفين في الأرض، حتى كلفها ذلك قطع علاقاتها مع إثيوبيا ، حينما فاضت كاميرا الجزيرة في أوضاع الأوجادين . أكتب هذه الكلمات ، وثامبو أمبيكي بحكم تجربته عن « الحديث للعدو « أي الحديث لنظام التفرقة العنصرية ، منذ أن كانت نخبة المؤتمر الوطني الإفريقي منبوذة وموصومة بتهمة الإرهاب ، لدرجة أن رئيسة وزراء بريطانيا مارجريت تاتشر رفضت مساكنتهم في خندق واحد وطالبت بإبعادهم فربما بحجة أنهم ارهابيون رغم انما جاءت للتفاوض معهم . وفي أنحاء القاعة ، منتديات حول إيران وأفغانستان وباكستان وقضايا القرن الإفريقي والقضية الفلسطينية وحشد منتدى الجزيرة التابع لشبكة قناة الجزيرة نخباً عابرة للإنتماء المذهبي والفكري من معظم مكونات العالم العربي والإسلامي ، كأنما قطر تقول، تداولوا وتحدثوا وحددوا كيف نتجاوز هذا الإنسداد التاريخي. وأثبت حكام قطر أريحية تجاه الحركات الإسلامية وغير الإسلامية ، فها هو الشيخ يوسف القرضاوي حينما ضاقت به الدنيا لم يجد إلا قطر لتستوعبه وتستوعب نشاطاته وأنعمت عليه بالحسبة والحماية بل وأن تمكنه من أن يقول ما يريد من خلال مسجده ومن خلال عمله بجامعة قطر ومن خلال إطلالاته عبر قناة الجزيرة، وتواصلت حكومة قطر مع د. الترابي في لحظات صعوده وإمساكه بالخيوط. ومهما قيل عن قناة الجزيرة ، التي صنفت كأشد القنوات تأثيرا في العالم ، لا لشيء إلا لمساحة الحرية فيها ولإسهامها في بث التوعية بقضايا العالم الإسلامي ومن نجاحات القناة ، استقطابها للخبرات من معظم اتجاهات العالم مع إعطاء الأفضلية للعرب من فلسطين ومصر والسودان والمغرب ولبنان والشام وأين هي القناة التي تسلم أهم قنواتها لغير أبناء البلد؟. سواء نجحت محاولات قطر أو أخفقت، سواء أصاب سعيها أم خاب، فإن دول العالم الإسلامي والعربي لو فعلت القليل مما تفعله قطر الخير فإن الصورة ستتغير كثيرا في هذا الجزء من العالم.. وشكرا لحكومة قطر وأهل قطر .