طوال العقود الماضية من عمر البشرية كان الحديث يتردد عن تبدد أعمار الصغار ومتوسطي العمر بفعل الأمراض وضعف صحة البيئة والمجاعات ومجمل الآفات التي تقصر العمر. وكان من أهم معايير تقدم الدول طول عمر الإنسان، فكلما طال عمر الإنسان أعتبر ذلك دليلاً على اهتمام الدولة التي ينتمي إليها بصحة مواطنيها : بتغذيتهم وعلاجهم وإحاطتهم بجو السلامة والأمان. وبينما تناضل الدول الفقيرة، ودول العالم الثالث عموماً فقيرة، لتحقيق ذلك النوع من الرفاهية لإطالة أعمار مواطنيها، وصل طول العمر لسقفه الأعلى في الدول الغنية ودول الرفاهية حتى أصبح مشكلة يتصدى لها المنظرون لاستكشاف الطرق لمعالجتها. لنبدأ من البداية. فقد اعتبر الدكتور جون بي شوفن مدير معهد أبحاث السياسة الاقتصادية في جامعة ستانفورد في الولاياتالمتحدة .. اعتبر أن في الأفق مشكلة تهدد العالم المتقدم، وتنذر بتدمير الاقتصاد العالمي. هذه المشكلة تتعلق بتقدم أعمار الناس إذ سيعيشون لوقت أطول، ويستهلكون أكثر، وينتجون أقل. وقال إن إشارات الخطر تبدو كما يلي: * سيكون عدد الأمريكيين فوق سن ال(65) أكبر ممن هم دون سن ال(15)، وعكس هذا ما هو سائد حتى اليوم إذ أن الشريحة العمرية حتى سن (15) تكون أكثر عدداً منها في ال(15) سنة الثانية .. وهكذا. * وبحلول سنة 2040 سيكون (45%) من سكان أسبانيا وإيطاليا في عمر ال(60)، * وفي نفس العام سيصل عدد كبار السن في الصين حوالي (400) مليون نسمة. * وفي اليابان وبحلول منتصف القرن سيكون (40%) من السكان من كبار السن. * * * بمقاييسنا الحالية لعمر الإنسان سيكون أهم مظهر لهذا التطور (الايجابي السلبي) في حياة البشرية هو تقلص أعداد القوى العاملة عموماً، لكن هذه ربما يتغلب على جزء كبير منها بالتوسع في استخدام الحاسبات والتكنولوجيا المتقدمة في العمل، وبتقليص أعداد الجيوش، وبرفع سن التقاعد، أو إلغائها باعتبار أن الإنسان سيظل عاملا إلى أن يفقد القدرة على العمل، كما تفعل الولاياتالمتحدة الآن. وربما يغير هذا موازين الصراع السياسي، فقد لا يعود الانقسام بين اليمين واليسار بل سيكون بين الشبان والكبار. عند تصميم نظام الضمان الاجتماعي الأمريكي في أواخر الثلث الأول من القرن العشرين اعتبرت سن ال(65) الحد الفاصل بين الخروج من المرحلة الإنتاجية ودخول مرحلة الاتكال على الآخرين. لكن هذا الحد الفاصل تغير منذ ذلك التاريخ، فقد أضيفت منذ عام 1940 وحتى الآن (11) سنة لعمر الرجل و(15) سنة لعمر المرأة. الثورة الطبية عمت العالم كله، وما حدث للمواطن الأمريكي حدث في معظم مناطق العالم. فبين عام 1960 وعام 2000 ارتفع متوسط عمر المواطن الصيني (36) عاما، والكوري الجنوبي (24) عاما، والمكسيكي (17) عاما، والفرنسي نحو (10) أعوام. ولذلك أصبح قياسنا لعمر الإنسان بالطريقة السابقة، أي قياسه بين يوم مولده ويوم وفاته على الأسس السابقة طريقة قديمة. (نواصل)