-1- * على مستوى عقائدي الحرية أولاً ... حيث لا إكراه في الدين ولكن تنزيل هذا المفهوم على الواقع تعتريه العديد من الاشواك والمصاعب ... ولقد تجاوزت التجربة الاسلامية بعد ثورة الانقاذ الوطني الخطوط الحمراء في ذلك .... سواء حقيقة من واقع التجارب التي مرت بها او من التهويل والتجريم من اعداء الثورة ... واذ عقدت مقارنة عادلة بين تجارب حكم لايدلوجيات أخرى ترفع شعارات تعلى من حرية الفرد وحفظ حق الانسان في التعبير لان سجلها في هذا الاطار سيء ودموي وقاتم للغاية .... في الوقت الذي يرتقي فيه سجل الحرية في زمن الانقاذ درجات في سلم حقوق المواطنة والانسان لدرجة يفتخر فيها بعض الموالين لها بأن ثورة الانقاذ في أوقات عديدة كانت سجونها خالية من المعتقلين السياسيين إلاَّ أن هذا الاعتزاز يقابله استياء من المعارضين وتطلع لأفق آخر من بعض الحادبين الذين يعلوّن من شأن الحرية في الشأن العام رغم احتدام ومرارة الوقع في السودان الذي يعاني من حروب أهلية وانفلاتات أمنية ووضع سياسي متأرجح .... يحتاج الى تدابير سياسية وأمنية بالغة التعقيد .... هذه المقدمة مناسبتها دعوة البشير للقوى السياسية للتفاكر حول « استفتاء « جنوب السودان في يناير 2011م .... حيث ترى جل التنظيمات ضرورة الوحدة ونبذ الانفصال ولكن لتلك الاحزاب رؤى مختلفة تبعد قليلاً او كثيراً عن الحزب الحاكم ... بعضها يرى ان هذا الاتفاق ثنائي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ..... ولينال من المؤتمر الوطني يتركه الى محاكمة التاريخ، والبعض الآخر يرى في دعوة البشير مدخلاً لتصفية خلافات شتى او على الاقل « عدل الميزان « .... أما أهل الدعوة فيرون ان قضية الاستفتاء المدركة سلفا أمر تاريخي يستوجب نظرة قومية . - 2 - تبدو دعوة الرئيس لبعض الأحزاب السياسية « رفع عتب « حسب رؤيتهم ولذا تأتي الاستجابات إمعانا في رفض تلك او التعامل معها في اطار ما هو تكتيك او على طريقة المكايدات والضرب في « الانكل « ... لا يستطيع المتابع رصد ردة فعل المعارضة السياسية على القضايا الكبرى والمصيرية للبلد ... هذا لا يعني بالضرورة ان يكون التعاطي الحكومي مع المعارضة مثالياً لدرجة ان يلقى باللائمة على المعارضة ولكن في مثال دعوة الرئيس للمعارضة للتفاكر حول الاستفتاء لا يحتاج المراقب للكثير من التحليل ليرى تعنت المعارضة ومحاولاتها للصيد في الماء العكر ... حيث كل الرؤى السياسية للأحزاب واضحة في شأن استفتاء جنوب السودان .... وموقفها من الوحدة او الانفصال .... واللقاء الرئاسي يبحث في توحيد الجهود وايجاد الوسائل الناجعة لتحقيق الوحدة حيث تجد تحليلات عديدة تتنقد الاداء الاعلامي في الترويج لمسألة الوحدة .... وكتم انفاس الانفصاليين مع انهم يمرحون بطلاقة في جنوب السودان المسرح الرئيس لاجراء الاستفتاء .... واذا نظر المرء للأحزاب السياسية نجد الحزبين الكبيرين « بالمفهوم القديم « يتعاملان مع مسألة الوحدة والانفصال بالطريقة المفضلة لهما .... الاتحاد الديمقراطي يمارس الصمت، بينما حزب الأمة يمارس الحديث الذي لا يفضي الى شيء سوى انهاك الجسد الوطني .... أما المؤتمر الشعبي فهو ما زال يلوك مراراته ولا يود ان ينتقل الى مربع جديد يملك فيه زمام المبادرة خاصة وان له ارثاً متميزاً في جنوب السودان وكوادر مدربة وخطيرة في العمل الدعوي هناك .... حيث ان قضية وحدة السودان لا تقع ضمن أجندة التشاكس بين الحزبين . - 3 - تبدو دعوة الرئيس للأحزاب مبادرة تستحق التعب عليها وبذل الجهد .... فالمؤتمر الوطني الحزب الحاكم وبنتائج الانتخابات الأخيرة صاحب أكبر تفويض جماهيري مما يجعله يمارس سلوك الكبار الذين يتجاوزن ويمارسون العفو وينظرون للوطن في اطار المصالح الاستراتيجية والحيوية .... تلك النظرة التي لا تتعامل مع « تكتيك « عابر أو طارئ .... الدعوة الرئاسية واحدة من اجرأ المبادرات لو لم تلتفت الى مناورات الاحزاب حتى تكمل رؤيتها الاستراتيجية في أخطر قرار يمر به السودان منذ الاستقلال ... وربما انعقد الاجتماع الرئاسي بشكل حقيقي ترضى عنه المعارضة بأوزانها وخياراتها ويستفيد منه الجميع في تعميق الاحساس لدى المواطن الجنوبي بجدوى الوحدة في بلد يتمتع فيه بكامل المواطنة والأهلية . الأهم ان ينعقد الاجتماع الرئاسي بشكل عاجل وفي ذات الوقت مؤسس حتى لا يبدو حشداً ينفض بعد الاجتماع مباشرة ليعمق الإحساس بالمسؤولية التاريخية للجميع ... مع ان اتفاق نيفاشا له خمس سنوات ومآلاته معروفة .... لكن الظروف التي مرت بها الاتفاقية على أرض الواقع لم تكن ممهدة وتعرضت للكثير من المد والجزر وما زالت !!! تحتاج الساحة السودانية للكثير من الفعل الذي يحرك فيها عناصر المبادرة لمسألة مهمة وحيوية قد تقوم فعاليات المجتمع بدفع الأحزاب السياسية للنهوض بمسؤولياتها وترك المناورات التي لا تفيد في مواضيع وطنية حساسة ..... تبقى الدعوة الرئاسية واحدة من الفرص النادرة التي يجب اقتناصها في الزمن الضائع الذي لا يحتمل تضييع الفرص !!!!