(الاشهر القادمة وحتى يناير القادم ستكون محطة فارقة في تاريخ السودان نأمل أن تكون هذه النقلة التي ستقع في خلال هذه الفترة بها تطورات موجبة تعين على استقرار واستدامة السلام والاحوال فى السودان).. بهذه الكلمات ابتدر الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية مؤتمره الصحفي الأخير والذي القى من خلاله بالكثير من الإشارات التي تؤكد درجة أهمية ومفصلية المرحلة القادمة من تاريخ السياسة في السودان ولعل ابرزها ما تسمى باجراءات الاستفتاء ومصير السودان الذي يحدد عبر التصويت بعد اقل من (100) يوم. ومن خلال المؤتمر الصحفي أطلق نائب الرئيس مبادرة سياسية يرى الكثيرون بأنها يمكن أن تكون بمثابة الهدف الذهبي الذي يحسم نتيجة مباراة الوحدة والانفصال وذلك عبر مناشدته للقوى السياسية بأهمية الذهاب للجنوب وتبصير المواطن هناك بأهمية دعم خيار الوحدة الجاذبة الذي نادت به اتفاقية السلام الشامل حيث قال :(لابد من دفع هذه الحملة الوطنية بدلاً من إضاعة الوقت ..الساحة الوطنية شهدت دعوات لتجميع القوى الوطنية وتكوين آليات مشتركة بين القوى السياسية، وقد آن الأوان أن نخرج وأن تسموا وطنيتنا فوق الحسابات السياسية الجزئية ويجب خروج كل القوى السياسية إلى الساحة وتقول كلمتها تذهب الي الجنوب). وتفيد الكثير من القراءات حول التعاطي الحزبي في الشمال مع قضية الوحدة والانفصال إن هذا الاتجاه تعتريه مواقف ايجابية تحفظها اضابير السياسية عبر مؤتمرات ناقشت من قبل جذور المشكلة حيث أجمعت العديد من الأحزاب على سبيل المثال علي رفض مناقشة حق تقرير المصير نفسه .. فقد أكدت الكثير من المتابعات أن تنظيم مؤتمر المائدة المستديرة فى 16 مارس 1965 والذي حضرته الأحزاب السياسية الشمالية والجنوبية في هذا المؤتمر تقدمت الأحزاب الجنوبية بمقترح يطلبون فيه تقرير المصير للجنوب في استفتاء عام يختار فيه أهل الجنوب بين أربعة مطالب لتحديد العلاقة بينهم والشمال، وهى, الوحدة مع الشمال, الحكم الذاتي, النظام الفدرالي, الإنفصال.. ولكن الأحزاب الشمالية رفضت المقترح بحجة أن ذلك سيؤدي إلى تمزيق السودان ,و سيسرى داء الانفصال فى أوصال أقطار أفريقيا كلها فتتغير حدودها كلما نشأت مشكلة بسبب سوء إدارة أو تباين عرقى أو تخلف اقتصادى . بالإضافة إلى أن تقرير المصير حق للأمة وليس لجزء منها وأن تقرير مصير الأمة السودانية تم فى ديسمبر 1955 ,هكذا إنتهى مؤتمر المائدة المستديرة دون الوصول إلى حل فاصل لمشكلة الجنوب. وبالرغم من ان اتفاقية السلام الشامل اعطت للمواطن الجنوبي حق التصويت في الاستفتاء القادم الا ان الموقف النفسي للكثير من القوي السياسية لم يختلف كثيرا منذ ذلك التاريخ والي الان بالرغم من المياه الكثيرة التي مرت تحت الجسر وماشهدته الايام والسنين من اتفاقيات تم ابرامها للسلام في الجنوب وانهار بعضها في وقته وصمد الاخر لفترات قصيرة.. ولعل اللقاء الرمضاني الشهير والذي عقد ببيت الضيافة مؤخرا والذي جمع الكثير من الاحزاب وتخلف فيه البعض قد اشار وبوضوح اكثر الي اهمية ان تقول القوي السياسية كلمتها في هذا الشأن بما يحفظ للجنوب استقراره ويحقق هدف السودان الموحد. وعلي سبيل المثال فأن الحزب الاتحادي الاصل الذي اكد زعيمه السيد محمد عثمان الميرغني علي اهمية دعم خيار وحدة السودان في الكثير من المواقف علي مستوي الداخل والخارج يري الكثير من المتابعين للشأن السوداني انه الحزب الذي يمتلك رصيدا وافرا من الحظوظ التي تؤهله لقيادة خط الوحدة بين الشمال والجنوب باعتبار انه اول الاحزاب التي وقعت اتفاقية سلام مع الحركة الشعبية نادت من خلالها بضوررة الوحدة بين الشمال والجنوب وايقاف الحرب.. ولعل مرجعيات الثقة السياسية في هذا الامر تعود ليس للثقل الذي يتمتع به رئيس الحزب الاتحادي لدي الحركة الشعبية الحزب الحاكم في الجنوب فحسب بل لان رئيس الحزب أيضا كان ولازال يترأس التجمع المعارض والذي تمثل الحركة الشعبية احدي منظوماته في التكوين والتأسيس. ومشهد الصورة قد يبدو اكثر وضوحا من خلال الاجتماع الرئاسي المشار اليه والذي كانت قد تغيبت عنه قوي سياسية مثل الامة والشعبي والشيوعي قد شارك فيه الحزب الاتحادي بصورة فاعلة بل خرجت من بعد ذلك الكثير من التسريبات التي تؤكد بأن رئيس الحزب قد قبل بمقترح رئاسته لهيئة دعم الوحدة وهو مالم يقم بنفيه قيادات مقدرة لها وزنها التنظيمي داخل احزاب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية حتي حملت الأنباء مؤخراً تصريحاً داويا للأستاذ فاروق ابوعيسي القيادي البارز بالتجمع والذي نادي من خلاله ايضا القوي السياسية بأهمية ايجاد تحالف بالحد الادني مع المؤتمر الوطني فيما يلي مسألة دعم الوحدة وبالرغم من الرجل يعتبر في نظر البعض الدّ خصوم المؤتمر الوطني من السياسيين الا ان البعض ايضا اعتبر دعوته المشار اليها بمثابة وعي سياسي متقدم تجاوز من خلاله الرجل افرازات الخصومة السياسية واتي بمقترحات تلامس الموضوعية الي حد كبير في قضية وطنية. وبالمقابل فأن كثير من اراء المحللين في مأزق الإنفصال والوحدة تؤكد ان هناك فئة محددة فى الشمال أعيتها الحرب المتطاولة برهقها المادى واستنزافها البشرى فأصبحت تفضل خيار الانفصال عملاً بالمقولة الشعبية السودانية " الباب البجيب الريح سدو واستريح " , والبعض أيضاً يري في هذا الاتجاه بأنه قصر نظرسياسي لأصحاب هذا الرأي بحجة أن الانفصال ربما فتح باباً واسعاً من التوترات والانقسامات داخل السودان مع اقتراب زمن الاستفتاء فأخذوا يتحدثون عن الانفصال السلس والجوار الآمن بين الدولتين المنفصلتين , بالرغم من تأكيد التجارب العالمية للدولة المنفصلة الي عكس هذا التوقع فهناك مثال الكوريتين والهند والباكستان وأثيوبيا وأريتريا على مرمى حجر منا , كل هذه الدول مصابة بداء التوتر والاحتكاكات البينية , والمؤكد أن السودان المنفصل لن يكون استثناءاً. وينبه بعض المراقبين إلى العراقيل التي أخذت الحركة الشعبية تضعها قصدا فى سبيل الاستفتاء المقرر اجراؤه فى يناير القادم 2011 ,ووصفوها بالأشواك التي تعترض الاستفتاء النزيه وحددوها في التحول الواضح للحركة الشعبية من الدعوة إلى الوحدة كما نصت عليها اتفاقية السلام الى المجاهرة بالانفصال وتعبئة العنصر الجنوبى بذلك واشعاره بأن الانفصال بات واقعاً وأن دولة الجنوب المستقلة أصبحت قاب قوسين أوأدنى , وتنظيم مظاهرات شبابية فى التاسع من كل شهر وفتح مكاتب فى كل أنحاء الجنوب لذات الغرض , إضافة إلى المظاهرات الإنفصالية التي تنظمها كوادر الحركة فى الخارج. وتري بعض الأحزاب الجنوبية أيضاً إن اكبر العراقيل التي تضعها الحركة تكمن في استباق نتيجة الاستفتاء باعداد التشيد الوطنى لدولة الجنوب, إضافة إلى حرمان القوى السياسية الاخرى من التبشير بالوحدة أو التعبير الحر عن وجهات نظرها علاوة علي عدم توفر الآمن لتسهيل عملية الاستفتاء , هذا فضلاً عن الاعتقالات الكثيرة التى تقوم بها قوات وأمن الحركة الشعبية ضد من لاينتمون اليها , و التحرك الماكوكى بين الدول الاوربية والافريقية , و أمريكا لاقناعها بالاعتراف بدولة الجنوب حال اعلانها بأى صورة كانت , هذا إلى جانب التلويح المستمر باعلان استقلال الجنوب من البرلمان. ومع بداية العد التنازلي لموعد الاستفتاء لاح في الأفق القريب رأى ارتفع به سقف التفاؤل السياسي لدي البعض وهو يري إن الناظر لمجريات الساحة الداخلية يجد أن القوى السياسية السودانية يمكنها الحفاظ على وحدة السودان وتحقيق مصالح الفئات والمناطق التى تمثلها من خلال هذه الوحدة إذا التقطت قفاز المبادرة وصارت إمكانية تسجيل الهدف الذهبي ممكنة وليس ببعيد عن المرمي بالرغم من ضيق الزمن المتبقي فهل تستطيع الأحزاب أن ترتقي بسلوكها وتحالفاتها من اطار التكتيك والمناورات الصغيرة والضيقة الى مصاف الوضع القائم على التعدد وقبول الآخر فى إطار رؤية وطنية شاملة؟؟