الرصد الكمّى واحد من المعايير القياسيّة للقدرة على البقاء, فمثلما أنّ للكائنات الحيّة أعماراً مقسومة, كذلك للإنتاج الصحفى عمر مرصود يمكن تسليط أجهزة الرصد العَدّى والعددى عليه لقياس قدرته على الإستمرار والصمود والتصدّى! آمل أن أخطف ابصاركم وأتسلل إلى وعيكم لأضع فى مستودع ذهنكم خبراً خاصاً, وهو أنّ الرقم المسلسل لهذا العمود الذى تقرأونه الآن هو ألفان (2000)... أكَْمَلَ هذا العمود الألفيّة الثانية ويبدأ اليوم ألفيّته الثالثة... وهو رقم يجمع بين الخوف والرجاء بنسبٍ متساوية, الخوف ممّا بعد الألفين, والرجاء فى أن تكون مسارات ومدارات أعمدة الألفية الثالثة أكثر ميلاً للواقع وأقوى إنحيازاً لمن يمشون على أرض هذا الواقع! فى أعوامه التى أتاحتها له عواصف الأيّام, حاول العمود أن يحيط بمعظم الأفكار وقائمة طويلة من القضايا الساكنة والمتحرّكة والمُتَحوّلة والطارئة التى تبحث لها عن منافذ للدخول إلى الواقع, فلم يبلغ العمود معشار ذلك... لكنّ الذى لم يستطع العمود عليه ولن يستطيع هو أن يبلغ كل الناس ويحيط بكل القرّاء وبكل الرجال وكل النساء فيتربّع فى نقطة جمركية تكون نادياً للمزاج العام! ومع كل هذه التحفّظات فإنّ هذا العمود فى نسخته التى تبدأ بالصفر وتنتهى بالألفين أتاحَ لكاتبه وصاحب ملكيّته التحريريّه التعّرف على إخوان وأخوات له لم تلده أمّه وأصدقاء وصديقات قارئين وقارئات أذكياء بالفطرة والفكرة, عددهم بعدد حبّات الرمل فى الصحراء الكبرى وبعدد قطرات الماء بحوض النيل... أكبر هديّة يمنحنى لها هذا العمود هى لقاء على أساس يومى مع قارئين وقارئات سودانييّن فيما بين المحيط الهادى شرقاً والمحيط الاطنطى غرباً, أصدقاء وصديقات لم ألتقهم حتى الآن ولكنّى أعرف أسماءهم وألقابهم ومِهنهم وحِرَفَهم وإتجاهاتهم فى الحياة, وأنتهز فرصة الألفين لأبعث لهم ولهنّ بالهمس واللمس والآهات وبمسواك الحب لنستاك به كل صباح! كنت أخطط للإحتفال بهذا الرصد العددى مع زملائى وزميلاتى وبعض القراء والقارئات البارزين فى صالة الصحيفة, ولكنّ حاجز السفر والبُعد عن مقر الصحيفة أجّلا الإحتفال باكمال العمود لألفيّته الثانية حتى بلوغه ألفيّته الثالثة!!