من أعراض ازمتنا الحضارية لفح الكلام مع نقص الدراية والإلمام حتى في الأمور التي تقع تحت اطار بضاعتنا ردت الينا. فقبل بضع سنوات نشرت لي (الرأي العام) مقالاً تحدثت فيه عن فكرة حكم الامصار في دولة الخلافة الإسلامية. أو بتعبير زماننا هذا حكم الولايات: أي الدولة الفيدرالية الواحدة التي تُحكم وفق نُظم حكم وإجتهادات فقهية متعددة. وهذا نظام لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية وحتى آباء امريكا المؤسسين كانوا يحاولون تجويد نظامهم بتجنب اخطاء دولة الخلافة العثمانية. وذكرت تَطرُق الباحثة الامريكية العربية الاصل، عزيزة الحبري، باسهاب الى موضوع تأثر آباء امريكا المؤسسين بالفقه التشريعي الإسلامي (مثل توماس جفرسون الذي تحتوي مكتبته، بولاية فرجينيا، على نسخة مترجمة للقرآن الكريم والإسكندر هاميلتون الذى كان يحاول تجاوز أخطاء نظام خلافة الأتراك العثمانيين، ويمكن للقارئ المتطلع للمزيد قطف بعض الثمار الطيبة لأبحاث د. الحبري بمراجعة بحثها المعنون: القوانين الدستورية الإسلامية والامريكية: إحتمالات للنقل أم تاريخ حافل بالنقل؟ ورد في عدد (الرأي العام) الصادر في 5 أغسطس 2010 ، خبر فحواه أن وزارة الداخلية الاتحادية قامت بإجازة لائحة جديدة للتسويات المرورية. والخبر لفت انتباهي لأن أمر المرور أمر ولائي، وكمثال يفترض ان يكون المجلس التشريعي لولاية الخرطوم هو الجهة التي يصدر منها هذا القرار بتوصية من شرطة ولاية الخرطوم عبر طلب تتقدم به من خلال الوالي. هذا فضلا عن الزيادة الكبيرة في فئات الغرامات: كمثال من ثلاثين الى مائة جنيه. ونعم بالله... من منا لايقدر ويحترم القوات النظامية عموما ورجال الشرطة خصوصا (وبالمناسبة كلمة رجل او رجال في اللغة العربية، مثل رصيفتها الانجليزية، تعني الذكر والانثى). والأمن والإقتصاد صنوان لايفترقان ولكن الاطعام من جوع (أي الإقتصاد) يأتي قبل الأمن من خوف. وترك الحبل على الغارب وافساح المجال لإمتطاء السرج العالي بتقديم الامن على الإقتصاد شئ عظيم الاثر وبالغ الضرر. ومن هم رجالات الشرطة؟ أليسوا هم بجزء من المجتمع يدفعون ثمن تخشب مفاصل الإقتصاد معنا جميعا؟! وانا إذ انتقد بعض القرارات التي تنهش في لحوم المواطنين، انما اقصد التذكير بأضرارها الجانبية التي قد لا تخطر على خلد مصدر القرار. وابن خلدون حذر في مقدمته من غباء الغلو في الجباية وان الدولة الشاطرة لا ترتكب هذا الخطأ لأنها تضر نفسها قبل شعبها...فقد قال فيلسوفنا إن الإفراط في الجباية يؤدي الى... أن ينتقص العمران بذهاب الآمال من الاعتمار ويعود وبال ذلك على الدولة لأن فائدة الاعتمار عائدة إليها وإذا فهمت ذلك علمت إلى أقوى الأسباب في الاعتمار تقليل مقدار الوظائف على المعتمرين ما أمكن فبذلك تنبسط النفوس إليه لثقتها بإدراك المنفعة فيه.... وبتخفيضه لبعض الرسوم، ابدى والي الخرطوم قدراً من الشطارة الابن خلدونية يستحق الاشادة عليها والحث على المزيد. وفي الختام أود ان أورد بعض الروابط المهمة التي سقطت من مقالين لي نشرتهما (الرأي العام): المقال الاول عنوانه (فضل الإسلام على الحضارة الغربية على اليوتيوب)، تحدثت فيه عن مقطع فيديو جدير بالمشاهدة انتجته جهه انجليزية يتحدث عن المفاجآت التي صعقت بعض طلاب مدرسة انجليزية عندما امرتهم استاذتهم ببحث امر التقدم العلمي خلال ما يسمى خطأ بالعصور الوسطى او العصور المظلمة http://www.youtube.com/watch?v=agj3CBFP3HM أما المقال الثاني فعن كاميرا الإشارة الحمراء، وقد طالبت بتدخل المجلس التشريعي لولاية الخرطوم لكي يُحدد دور السلطة القضائية في الفصل في تظلمات المواطنين من المخافات التي ترصدها كاميرات الإشارة الحمراء، إذ انه ليس من العدل ان تكون الشرطة هي الخصم والحكم في هذا الامر. وقلت إن الفقرة (21455.7 ) من قانون الحركة لولاية كلفورنيا تفرض عدداً معيناً من الثواني لوقت الاشارة الصفراء لكي لا تعطي الكاميرات مخالفات للناس بالباطل وهذا العدد يساوي حوالي أربع ثوان في التقاطع الذي يكون حد السرعة فيه حوالي خمسة واربعين كيلومتراً في الساعة. ولكي أسهل على المجلس التشريعي التدخل في هذا الأمر لدرء الاشكالات التي سوف تحدث لا محالة بين المواطن والسلطة التنفيذية، اورد هذين الرابطين اللذين يمكن من خلالهما التعرف والاستهداء بقانون ولاية كليفورنيا الامريكية بصدد هذه المخالفات وكيفية التظلم منها في المحاكم. http://www.dmv.ca.gov/pubs/vctop/d11/vc21455_5.htm http://www.newark.org/images/uploads/police/pdfs/RedLightCamera/Court_011408_Ch4.pdf ولكي أعرف القارئ الكريم ببعض ما ورد من نصوص قانون الحركة لولاية كلفورنيا، ألفت النظر الى ما ورد في الفقرة (21455.5) من هذا القانون والتي تتحدث مباشرة عن استخدام الكاميرات في تطبيق مخالفة الاشارة المرورية وتُلزم الولاية بالآتي: وضع علامات واضحة تُخطر السائق مسبقا بوجود كاميرات الإشارة الحمراء في التقاطع الذي هو على وشك المرور به، وزن وضبط الكاميرات بصورة دورية للتأكد من مطابقتها للمواصفات، عرض المخالفات على رجل شرطة للتأكد منها بالفحص النظري (أي منع استفراد الشركة المشغلة للكاميرات بتحديد المخالفين)، منع اعطاء الشركة المشغلة للكاميرات وافراد الشرطة نسبة من العائد النقدي لتحصيل المخالفات (أي تفعيل القاعدة العدلية المانعة لتضارب المصالح)، والحفاظ على خصوصية المخالفين وعدم التشهير بهم.