أحسب ان من عيوبنا الثقافية «لفح الكلام» مع نقص الدراية والإلمام... نعم من الجميل التعلم من تجارب الآخرين ولكن بشرط التمحص وأقلمة هذه التجارب والخبرات مع واقعنا. ومن العجيب ان بعض ذوي الفكر الأشتر يعيبون على العسكر الانقضاض على ديمقراطية وستمنستر من دون الأخذ في الإعتبار البلاوي والاخطار الناجمة من اختيار المبتلين بداء الأمية لحكم الطائفية واستبعاد عطاء الطاقات الشبابية الغضة الندية. يا أخوانا الشعب السوداني ده شعب شاطر ودائما متفتح الذهن وعقله حاضر، عنده الغشيم في ذمة الفهيم ولذا يرخي مقوده لأبنائه المتعلمين. ولذا: تجنبوا استيراد الافكار القمعية فهذا الشعب يرفض المذلة والتبعية. ورد بعدد (الرأي العام) الصادر في 12 يوليو 2010 خبراً فحواه أن ولاية الخرطوم قامت بتركيب (50) كاميرا كدفعة أولى من (600) من الكاميرات تعتزم الولاية تركيبها لرقابة وضبط الطرقات. وأول ما جال بخاطري عند قراءة هذا الخبر: المثل السوداني الذي يشبه الفلهمة العوراء بشيل البطارية في الليلة المقمرة. يا له من تخبط في ترتيب اولويات المسؤولين عن مدينة يصرف فيها صاحب المنزل حوالي ثمانية آلاف دولار في سبتن تانك وبئر يلوث المياه الجوفية!!! وأرجو ان تسمحوا لي ان استطرد قليلا لأقول انه في ظروف الازمة المالية الحالية يمكن للشخص ان يشتري (عبر الدلالة) بهذه الثمانية آلاف دولار بيتاً جاهزاً مع ارضه في بعض ضواحي كبرى المدن الامريكية. والعجلة التي نُفذ بها مشروع الكاميرات هذا قد تنم عن سرعة تأثر بعض حكام العالم الثالث بعروض البور بوينت (Powerpoint Presentations) التي تستخدمها الشركات لإبهار زبائنها وتسويق منتجاتها. ويبدو لي ان المجلس التشريعي لولاية الخرطوم لم يُستشر في الموضوع وبالتالي لم يُحدد مسبقا دور السلطة القضائية في الفصل في نظامات المواطنين من المخافات التي ترصدها كاميرات الإشارة الحمراء، إذ انه ليس من العدل ان تكون الشرطة هي الخصم والحكم في هذا الامر. ولكي اسهل على المجلس التشريعي التدخل في هذا الامر لدرء الاشكالات التي سوف تحدث لا محالة بين المواطن والسلطة التنفيذية، أورد هذين الرابطين الذين يمكن من خلالهما التعرف والاستهداء بقانون ولاية كلفورنيا الاميريكية بصدد هذه المخالفات وكيفية التظلم منها في المحاكم. ولكي أعرف القارئ الكريم ببعض ما ورد من نصوص قانون الحركة لولاية كلفورنيا، الفت النظر الى ما ورد في الفقرة (21455.5 ) من هذا القانون التي تتحدث مباشرة عن استخدام الكاميرات في تطبيق مخالفة الاشارة المرورية وتُلزم الولاية بالآتي: وضع علامات واضحة تُخطر السائق مسبقا بوجود كاميرات الإشارة الحمراء في التقاطع الذي هو على وشك المرور به، ووزن وضبط الكاميرات بصورة دورية للتأكد من مطابقتها للمواصفات، عرض المخالفات على رجل شرطة للتأكد منها بالفحص النظري (أي منع استفراد الشركة المشغلة للكاميرات بتحديد المخالفين)، منع اعطاء الشركة المشغلة للكاميرات وافراد الشرطة نسبة من العائد النقدي لتحصيل المخالفات (أي تفعيل القاعدة العدلية المانعة لتضارب المصالح)، والحفاظ على خصوصية المخالفين وعدم التشهير بهم. أيضا لاحظ ان الفقرة (21455.7 )من قانون الحركة لولاية كلفورنيا تفرض عدداً معيناً من الثواني لوقت الاشارة الصفراء لكي لا تعطي الكاميرات مخالفات للناس بالباطل وهذا العدد يساوي حوالي أربع ثوان في التقاطع الذي يكون حد السرعة فيه حوالي خمسة واربعين كيلومتراً في الساعة. وقد شاهدت جزءاً من مقابلة أجراها تلفزيون السودان مع احد المهندسين المشرفين على هذا المشروع كشف فيها امر لم تتطرق له صحيفة (الرأي العام): وهو أن بعض هذه الكاميرات تعطي أيضا مخالفات تجاوز السرعة القانونية وتحدث المهندس عن ال Traffic Light Synchronization أي ترتيب تزامن اشارات المرور للتقليل من وقوف السائقين المتكرر في الاشارات المتعددة المتواجدة في الشارع الواحد. وحسب علمي ان موضوع ترتيب ايقاع تزامن اشارات المرور لايتم عبر غرف التحكم المركزي وانما عبر حسابات احصائية او بطرق دينماكية (اي حركية) باستعمال معلومات اجهزة استشعار sensors موجودة تحت أسفلت الطريق او معلقة على الأعمدة او الأسلاك الحاملة لإشارات المرور (اللهم إلاّ اذا كانت التكنولوجيا التي تعاقدت عليها الولاية مختلفة). ومن المحير ان ولاية الخرطوم تريد نصب هذا العدد الضخم من الكاميرات في عاصمة بلد ناتجه الاجمالي القومي حوالي (46) مليار دولار وقد شاهدت مدينة امريكية الناتج الاجمالي القومي لحي واحد فيها (500) مليار دولار (اي اكثر من عشرة اضعاف الناتج الاجمالي القومي للسودان) وعدد كاميرات الإشارة الحمراء بهذه المدينة لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة هذا فضلا عن ان هذه المدينة لا تستخدم كاميرات تحديد السرعة مطلقاً. والاحصاءات تثبت ان الكاميرات لا تسهم بصورة تذكر في رفع معدلات السلامة. راجع NMA Red Light Cameras Fact Sheet اي حقائق اوردتها احدى المنظمات الطوعية المناهضة لكاميرات الإشارة الحمراء. وعندما يتعود سائقو المركبات على كاميرات الإشارة الحمراء ويتعرفوا على مواقعها يتعلمون اتقاء شرها مما يؤدي الى انخفاض العائد المادي منها. ولذا تلجأ الكثير من ال counties أي المحليات الأميركية التي تقوم بتركيبها الى فض عقود تشغيلها مع الشركات المصنعة والمشغلة لها لأن العائد المادي منها غير مجز وقد يكون أقل من تكلفة تشغيلها هذا فضلاً عن أن هذه الكاميرات تثير غبن وحنق الناخبين. وتلجأ المحليات الفقيرة الى التكسب منها ولذا قد يقال لك لا تشتري بيت بمحلية بها هذا النوع من الجبابة. ومن الطريف ان بعض ساسة المدن الفقيرة يتفادون غضب الناخبين بوضع كاميرات الإشارة الحمراء في المناطق التي يرتادها العابرون من المدن الاخرى أي ال (out of towners) لكي يتكسبوا من مال الغريب. أيضا من اللافت للنظر أن ولاية نيوميكسيكو قامت بخلع كاميرات تخطي السرعة والاشارة الحمراء من شوارعها لأن اغلب مواطنيها دخلوا في عصيان مدني غير معلن بتجاهل دفع المخالفات التي ارسلت اليهم عبر البريد. محمد البخيت