التقصّى وراء العلاقة الامريكية/السودانية يثبت أنّها علاقة غير مرصوفة منذ أوّل حكومة سودانية... أرادت حكومات سودانية سابقة تعمير هذه العلاقة فلم تمنحها الحكومات الامريكية أدوات التعمير... لم تحصل الحكومات السودانية المتسلسلة على عمل امريكى تنموى سوى شارع (المعونة) بالخرطوم بحرى, وهو شارع يقع حتى اليوم تحت معاول الترميم الهندسى! الحكومات السودانية المتوالية لم تنل من الحكومات الامريكية بحزبيها الجمهورى والديمقراطى عصا موسى, ونالت حكومة الإنقاذ منها عصا فرعون! بدأت العلاقة الاميريكية المباشرة مع السودان فى عهد الفريق عبود الذى لم يعجبها منه عدم انحيازه وصداقته لنيكيتا خروتشوف السوفيتى بمقدار صداقته مع جون كنيدى, وموقفه من الثائر الكنغولى باتريس لوممبا, وتصعيده لحرب الجنوب, فلم ينل منها غير المعونة وشارع المعونة! الأكثر إدهاشاً أنّ الولاياتالمتحدة تعاملت مع الأنظمة المدنية بأقل من الأنظمة العسكرية, فبعد أن غيّرَ نميرى حركة المرور السياسى من اليسار إلى اليمين مدّت له امريكا يدها دون أن تمنحه كل الأمان, ففتح لها أبواب الفلاشا وآبار النفط فأعطته أطناناً من عيش ريجان, ثمّ حضر بوش الأب نائب الرئيس ليشرف على مراسم دفن النظام المايوى, لكنّ امريكا لم تكن سعيدة بنتائج الانتفاضة الشعبية ولا بحكومة منتخبة برئاسة الصادق المهدى فلم تمهّد لها شارعا آخر للمعونة أو خروجاً سلساً من المأزق الديمقرطى! لم يبرز فى المشهد الاقليمى غير يد امريكية تحمل العصا للسودان وأخرى تخفى الجزرة, لا فرق فى ذلك بين الحزبين... لكنْ من سخرية الأقدار أنّ حكومة الحزب الجمهورى رمت السودان بسلامها فى إتفاق نيفاشا الشائك بينما حكومة الحزب الديمقراطى رمته بغارة جويّة على مصنع دواء فيه (شفاء) للناس! سؤال مركزى يرفع نفسه: لماذا لم تكن الحكومات الامريكية بحزبيها كريمةً مع السودان... الإجابة غير واضحة كما أنها غير غامضة... فعِلة السودان هى موقعه وموضعه... ما لا يعجب امريكا فى السودان هى صناعته البريطانية, فهى تراه جديراً بصناعة امريكية... صناعة تنقله من عبقرية المكان إلى (عبقرية) الزمان, فأقامت فيه ولأجله أضخم سفارة فى القارة السمراء!!