سياسة التحريرالاقتصادى التى تنتهجها الدولة منذ العام 1992 تقوم على ما يسمى ب(آلية السوق) اوالعرض والطلب،بحيث أن زيادة العرض تسهم بصورة مباشرة فى تراجع الاسعار، وبالعكس فإن زيادة الطلب تسهم بصورة مباشرة فى ارتفاع الاسعار والغلاء،تلك الآلية تفسر بوضوح ان الرأسمالية التى تقودها امريكا وتتبناها الدول الغربية وغيرها من الدول فيها مرادفا للديمقراطية التى ترجح خيارالاغلبية،فهى بهذا الترجيح لرأى الاغلبية تبرهن ان زيادة العرض بالاسواق هو رأى الاغلبية،وان زيادة الطلب بالاسواق هو رأى الاغلبية بالتالى فان (آلية السوق) هى الحاكمة والحاسمة فى النظام الرأسمالي كتلك الديمقراطية التى يتنبها ذات النظام الرأسمالي بالدول الغربية وامريكا. ولكن نحن فى السودان رغم تبنينا لسياسة التحرير الاقتصادى منذ (18) سنة ،واجراء انتخابات جعلتنا من الدول الديمقراطية ،إلا ان (آلية السوق) عندنا لم تتمتع بهذه الحاكمية وذلك الحسم، فاذا حدثت وفرة فى عرض سلعة ما تجد ان اسعارها مازالت مرتفعة ولم تنخفض بفعل نظرية العرض، واذا إزداد الطلب على سلعة فان اسعارها تترنح ما بين الارتفاع احياناً والاستقرارعلى ما هوعليه فى غالب الاحيان مع وجود حالة فى النص تفسرظاهرة الغلاء بان هنالك بعض التجار يسعون فى ظل زيادة الطلب الى زيادة الاسعاروبالتالى يطبقون النظرية ،كما يلجأ بعضهم لافتعال الندرة وتحجيم الطلب بقصد زيادة الاسعار وتحقيق الارباح السريعة،ومن هنا يتضح بوضوح ان ( آلية السوق) عندنا ليست حاسمة ،وإنما الحسم يكمن لدى التجارالذين يغالون فى الاسعارويفتعلون الندرة فى مواسم محددة لتحقيق ارباح خرافية،وهم بهذا ينسفون قداسة سياسة التحرير الاقتصادى التى تسعى الدولة للمحافظة عليها (مقدسة) دون تدخل منها لكبح جماح التجار وليس كبح جماح ارتفاع الاسعار،فارتفاع الاسعارفى السودان مربوط بشيئين هما (جشع التجار،والمواسم) وهذه المواسم تشمل مواسم الاعياد والمناسبات الدينية والوطنية والمواسم الانتاجية للسلع الزراعية والمصنعة ،والفصول السنوية من خريف وصيف وشتاء ومواسم الافراح والمناسبات...الخ ،ولذلك نحن فى موسم شهر رمضان الحالى شهدنا زيادة غيرمبررة فى اسعار السلع الاستهلاكية والحبوب واللحوم والسكر والزيوت،ومازال هذا الارتفاع سيد الموقف رغم تراجع الطلب على هذه السلع،والآن نشهد موجة أخرى من ارتفاع اسعارمستلزمات العيد المختلفة من الملابس الاطفالية والنسائية والرجالية والاثاثات المنزلية ومواد البناء خاصة الطلاء من بوهيات وبوماستك، وايجار السيارات (المشاوير) ارتفاع تكلفة ترحيل البضائع الى الولايات بينما يتوقع تطبيق زيادة (30%) يتم تطبيقها سنوياً على نقل الركاب بين الولايات والعاصمة الخرطوم تحت ستارعودة المركبات والبصات السفرية والحافلات فارغة من تلك الولايات.اذاً العيد موسم للغلاء كغيره من المواسم، ولكن هنالك غلاء غير مبررللعديد من السلع التى لاتشهد زيادة فى الطلب اوتلك التى تشهد زيادة في طلب طالما هنالك زيادة فى العرض خاصة وان زيادة العرض هذه يفترض ان تخفض الاسعار، كما ان احتدام المنافسة بين التجاروالباعة الجائلين أيضاً يفترض ان يكون عاملاً آخر فى تخفيض الاسعار لاسيما وان الباعة الجائلين أصبحوا ينتشرون فى كل الاسواق بالمركزوالولايات ويطرحون بضائع جيدة باسعارأقل من تلك المعروضة فى المحال التجارية، وإن كان التجار يبررن رفع الاسعار بأنهم يدفعون ضرائب وايجارات، فان المحليات تتحصل رسوماً وجبايات من الباعة الجائلين الذين أيضاً يعتبرون موسماً للمحليات يتجدد مع الاعياد، حيث تسارع تلك المحليات لمنحهم التصاديق والتراخيص من أجل الحصول على ايرادات، وبالتالى فان الغلاء عندنا فى السودان ظاهرة وطفرة لا تحكمها (آلية السوق)،بل هنالك من هم خلف الكواليس يتحكمون فى الغلاء وزيادة الاسعار ويفتعلون الندرة ويمنحون التصاديق المؤقتة للباعة الجائلين وغيرهم ،فى النهاية النغمة العالية (الدنيا عيد،ودا موسم) ..اللهم خفف الغلاء والبلاء،وكل عام والجميع بخير.