تحاشيت خلال الشهر الفضيل متابعة أي مسلسل درامي لأسباب أهمها تنبع من طبيعتي التي لا تنسجم مع الحالة النمطية المتقيدة بالوقت والدقة واكتفيت بنشرات الأخبار والبرامج الخفيفة ورصد الإضافات الجديدة على فن الإعلان وتابع (تواشيح النهر الخالد) وبمرور أسبوع على هذه المتابعة تحول النهر من رفق رطب يجدول منابع اللحن النغوم إلى مسلسل يومي بطله حسين خوجلي وشخوصه كل حاملي فصائل الدم المبدع. بطل المسلسل يطرح اقتراحات جمالية في كل ثانية بدءاً من انتخاب اللحن إلى تفكيك بنيته إلى اختيار مؤديه وصولاً لتشريحه وتقطيعه وتقديمه دسماً لمن لا يضره الدسم وخالياً من الدهون لمن يتربص بهم الكوليسترول مثلنا. أقر بأن ما مسني من طرب وأنا أتابع هذا المسلسل يومياً لم يمسني من قبل وانا جليس النغوم منذ أن التفت إلى الشعر في بواكير الصبا كأنما أعد حسين نفسه لهذه المنازلة الجمالية وتسلح لها بعبير الشدة ورباط الصوت فكان المجمل تطريزاً. في هذا المسلسل الذي يجاور الدراما من ناحيتي السرد والتشويق اكتشفت لغزاً باح به بطل المسلسل عن سر المبالغة في التوصيف المتقن للجمال الأنثوي في شعر الحقيبة خاصة استغراقات صالح عبد السيد في رصد تواشيح الجمال على خارطة الجسد، انظر كيف يجدل ملامة الخصر : جل مولاكي الرقق أحشاكي من تقل ردفك الضمير شاكي او تأمل ما احاطت امرأة الحقيبة من نعوت وصفات تضعها في الصف الأول لمعايير الجمال المتفق عليه دولياً، نفرة الغزلان، الجيدو قزاز، نحال ومرافئ مقلو الفتاكا، والضمير قبضة ما بزيد قطرة. كانت امرأة الحقيبة في الكشح مهضومة وكانت ذات رشيم وربما تنظر الماء ينساب عبر حزوز جيدها إذا شربت وكانت بعيدة المنال لأن (سماها سابع دور) وكانت كالماء مع البلور.. هل هي امرأة حقيقية أم مجاز ذهني؟ هذا ما كشفه حسين خوجلي حين أعلن ان عتيق أخبره بأن شعر الحقيبة صوّر المرأة على هذا النحو عقب الغزو الثنائي لأن كل البلاد عقب المهدية أصبحت (عقاب كتلة) التقطت هذا التفسير وراجع وجداني كل ما ترسب من صور تعجيزية لجمالية مستحيلة!! نظم حسين حلفاً بديعاً بين الوجدان الصافي والفلسفة والتاريخ واستخدم الحلف كرافعة للأسئلة وللاختيار والتفسير والاستطرادات الابداعية واستعان بفريق من المطربين ذوي الحساسية الصوتية العالية والأداء الرفيع وكنت ألمح الطرب يترسم على وجهه وأحس بصدقه وانتمائه العضوي للأغنية قبل الأيدولوجيا. كنت أحرص على هذا المسلسل اليومي لأن حسين حوّل المحتوى من جلسة فنية (لباب حارة) وكنت أشاهده أيضاً في اليوم الثاني بعد الظهيرة ولا احس بملل أو تكرار لأن الأغاني في الظهيرة تكون قد (طبقت البوخة).